ـ أي أصله ـ كان الأولى أن يقع الشروع في الكلام على الأصل من أصله.
ولهذا الكتاب ـ أعني القرآن العزيز ـ من كونه ينطق به ويكتب حروف تتركّب من حرفين إلى خمسة أحرف متّصلة ومفردة ، فيظهر بنظمها عين الكلمة ، وبنظم الكلمات عين الآيات ، وبنظم الآيات عين السور ؛ فهذه الأركان الأربعة التي هي : الحروف ، والكلمات ، والسور ، والآيات مظاهر الكلام الغيبي الأحدي ، ومنازل ظهوره ، وجداول بحره ، وأشعّة نوره.
وهي ـ أي الأركان ـ وإن كانت مبادئ الكلام (١) من حيث مرتبتي اللفظ والكتابة ، فهي فروع لما فوقها من الأصول التي لا يتحقّق بمعرفتها إلّا من اطّلع على سرّ الحضرات الخمس المشار إليها [آنفا] ، وسرّ الظهر والبطن والحدّ والمطلع ؛ فلهذا وسواه احتجت أن أنبّه على هذه الأصول وأبيّن سرّ الكتاب والكتابة والكلام والحروف والكلمات وغير ذلك من المبادئ والأسباب والتوابع المهمّة ، واللوازم القريبة.
ولمّا كان الكلام في التحقيق نسبة من نسب العلم ، أو حكما من أحكامه أو صفة تابعة له كيف قلت ، وجب عليّ ؛ لما التزمته ، التنبيه على سرّ العلم ومراتبه ومتعلّقاته الكلّيّة الحاصرة (٢) ، وأحكامه وموازينه ، وطرقه وعلاماته ، ومظاهره التي هي محلّ أشعّة أنواره ، كما ستقف على جميع ذلك إن شاء الله تعالى.
فأنا أقدّم أوّلا تمهيدا مشتملا على قواعد كلّيّة أذكر فيها سرّ العلم ، ومراتبه ولوازمه المذكورة ، وسرّ المراتب الأولى الأصليّة الأسمائيّة والمراتب التالية لها في الحكم ، وسرّ الغيبين : المطلق والإضافي ، وسرّ الشهادة وانفصالها من الغيب ، وتعيّن كلّ منها بالآخر ، وعلم مراتب التميّز الثابت بين الحقّ وبين ما سواه ، وعلم مقام الاشتراك الواقع بين مرتبتي الحقّ ، والكون ، وأحكامه وأسراره ، وسرّ النفس الرحماني ومرتبته وحكمه في العالم ـ الذي هو الكتاب الكبير ـ بالنسبة إلى الأعيان الوجوديّة ، التي هي الحروف والكلمات الربّانيّة والحقائق الكلّيّة الكونية (٣) ، من حيث إنّه أمّ الكتاب الأكبر وبالنسبة إلى المقام الإنساني وحروفه وكلماته ، وسرّ بدء الإيجاد وانبعاث الصفة الحبّيّة وسرّ الغيرة ، والتقسيم الظاهر من
__________________
(١) ق : للكلام.
(٢) ق : الحاضرة.
(٣) الربانية.