وقال أبو مسلم الأصفهانيّ (١) : بل كان آدم وإبليس في الجنّة ؛ لأنّ هذه الجنّة كانت بعض جنات الأرض ، والذي يقوله بعض النّاس من «أنّ إبليس دخل الجنّة في جوف الحيّة ودخلت الحيّة في الجنّة» فتلك القصة ركيكة ومشهورة.
وقال آخرون : إنّ آدم وحوّاء ربما قربا من باب الجنّة ، وكان إبليس واقفا من خارج الجنّة على بابها فيقرب أحدهما من الآخر فتحصل الوسوسة هناك (٢).
فإن قيل : إنّ آدم ـ عليهالسلام ـ كان يعرف ما بينه وبين إبليس من العداوة ، فكيف قبل قوله؟
فالجواب : [لا يبعد أن يقال إنّ إبليس لقي آدم مرارا كثيرة ، ورغّبه في أكل الشّجرة بطرق كثيرة ؛ فلأجل](٣) المواظبة والمداومة على هذا التمويه أثّر كلامه عنده وأيضا فقال تعالى : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف : ٢١] أي : حلف لهما فاعتقدوا أنّ أحدا لا يحلف كاذبا فلذلك قبل قوله.
قوله : (لِيُبْدِيَ لَهُما) في «لام» «ليبدي» قولان :
أظهرهما : أنها لام العلّة على أصلها ؛ لأنّ قصد الشّيطان ذلك.
وقال بعضهم : «اللّام» للصّيرورة والعاقبة ، وذلك أنّ الشّيطان لم يكن يعلم أنّهما يعاقبان بهذه العقوبة الخاصّة ، فالمعنى : أن أمرهما آل (٤) إلى ذلك. الجواب : أنه يجوز أن يعلم ذلك بطريق من الطّرق المتقدّمة في قوله (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) [الأعراف : ١٧].
ومعنى قوله : (لِيُبْدِيَ لَهُما) ليظهر لهما ما غطّي وستر عنهما من عوراتهما.
قوله : «ما ووري» «ما» موصولة بمعنى الذي ، وهي مفعول ل «ليبدي» أي : ليظهر الذي ستر.
وقرأ الجمهور : «ووري» بواوين صريحتين وهو ماض مبني للمفعول ، أصله «وارى» كضارب فلمّا بني للمفعول أبدلت الألف واوا كضورب ، فالواو الأولى فاء ، والثّانية زائدة.
وقرأ (٥) عبد الله : «أوري» بإبدال الأولى همزة ، وهو بدل جائز لا واجب.
وهذه قاعدة كليّة وهي : أنّه إذا اجتمع في أوّل الكلمة واوان ، وتحرّكت الثّانية ، أو كان لها نظير متحرّك وجب إبدال الأولى همزة تخفيفا ، فمثال النّوع الأوّل «أويصل» ، و «أواصل» تصغير واصل وتكسيره ، فإنّ الأصل : وويصل ، وواصل ؛ فاجتمع واوان في المثالين ثانيتهما متحركة فوجب إبدال الأولى همزة. ومثال النّوع الثّاني أولى فإنّ أصلها
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٣٨.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) سقط من ب.
(٤) في الدر : آيل.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٧٩ ، والدر المصون ٣ / ٢٤٧.