مؤولا على اسم صريح ، أي : فهل لنا من شفعاء بشفاعة منهم لنا؟
قوله : «أو نردّ» الجمهور على رفع «نردّ» ونصب «فنعمل» ، فرفع «نردّ» على أنه عطف جملة فعليّة ، وهي «نردّ» على جملة [اسميّة] وهي : هل لنا من شفعاء فيشفعوا؟
ونصب «فنعمل» على ما انتصب عليه «فيشفعوا» ، وقرأ الحسن (١) برفعهما على ما تقدّم ، كذا روى عنه ابن عطية وغيره ، وروى عنه الزمخشري نصب «نردّ» ورفع «فنعمل».
وقرأ أبو حيوة (٢) ، وابن أبي إسحاق بنصبهما فنصب «نردّ» عطفا على «فيشفعوا» جوابا على جواب ، ويكون الشفعاء في أحد شيئين : إمّا في خلاصهم من العذاب ، وإمّا في رجوعهم للدّنيا ليعملوا صالحا ، والشّفاعة حينئذ [مستحبة] على الخلاص أو الرّدّ ، وانتصب «فنعمل» نسقا على «فنردّ».
ويجوز أن تكون «أو نردّ» من باب «لألزمنّك أو تقضيني حقّي» إذا قدرناه بمعنى : حتّى تقضيني ، أو كي تقضيني ، غيّا اللزوم بقضاء الحق ، أو علله به فكذلك الآية الكريمة أي : حتى نردّ أو كي نرد ، والشفاعة حينئذ متعلّقة بالرّدّ ليس إلّا.
وأمّا عند من يقدّر «أو» بمعنى «إلّا» في المثال المتقدم وهو سيبويه (٣) ، فلا يظهر معنى الآية عليه ؛ إذ يصير التقدير : «هل يشفع لنا شفعاء إلا أن نردّ» ، وهذا استثناء غير ظاهر.
فصل في معنى الآية
المعنى أنّه لا طريق لنا إلى الخلاص مما نحن فيه إلا أحد هذين الأمرين ، وهو أن يشفع لنا شفيع فيزول عنّا هذا العذاب ، أو نردّ إلى الدّنيا حتى نعمل غير ما كنّا نعمله حتى نوحد الله بدلا عن الكفر. ثمّ بيّن تعالى أنّهم (قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ). أي الذي طلبوه لا يكون ؛ لأن ذلك المطلوب لو حصل لما حكم الله عليهم بأنّهم قد خسروا أنفسهم.
قوله : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).
«ما كانوا» «ما» موصولة عائدها محذوف ، و «ما كانوا» فاعل «ضلّ» ، والمعنى: أنّهم لم ينتفعوا بالأصنام التي عبدوها في الدّنيا.
فصل في دحض شبهة للمعتزلة
قال الجبّائيّ (٤) : هذه الآية تدل على حكمين :
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٠٨ ، البحر المحيط ٤ / ٣٠٨ ، الدر المصون ٣ / ٢٧٩ ، وينظر رواية النصب في : الكشاف ٢ / ١٠٩.
(٢) ينظر : المصادر السابقة.
(٣) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ٤٢٧.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٧٩.