أحدهما : أنّه حال.
والثاني : أنه استثناء وقد أوضح ذلك الزمخشري.
فقال : «فإن قلت : بم انتصب : (إِلَّا مُتَحَرِّفاً)؟ قلت : على الحال و «إلّا» لغو ، أو على الاستثناء من المولّين : أي ومن يولّهم إلا رجلا منهم متحرفا أو متحيزا».
قال أبو حيان (١) : «لا يريد بقوله «إلّا» لغو أنّها زائدة ، إنّما يريد أنّ العامل وهو : «يولّهم» وصل لما بعدها كقولهم في «لا» من قولهم : جئت بلا زاد ـ إنّها لغو. وفي الحقيقة هي استثناء من حال محذوفة والتقدير : ومن يولّهم ملتبسا بأية حال إلّا من حال كذا ، وإن لم تقدّر حال محذوفة لم يصحّ دخول «إلّا» لأن الشّرط عندهم واجب ، والواجب حكمه ألّا تدخل «إلّا» فيه لا في المفعول ، ولا في غيره من الفضلات ، لأنه استثناء مفرغ ، والمفرّغ لا يكون في الواجب ، إنّما يكون مع النفي أو النهي أو المؤول بهما ، فإن جاء ما ظاهره خلاف ذلك يؤوّل».
قال شهاب الدّين (٢) : «قوله لا في المفعول ولا في غيره من الفضلات ، لا حاجة إليه لأنّ الاستثناء المفرغ لا يدخل في الإيجاب مطلقا ، سواء أكان ما بعد إلّا فضلة أو عمدة فذكر الفضلة والمفعول يوهم جوازه في غيرهما».
وقال ابن عطيّة (٣) : «وأمّا الاستثناء فهو من المولّين الذين تتضمّنهم «من» فجعل نصبه على الاستثناء».
وقال جماعة : إنّ الاستثناء من أنواع التولّي ، وردّ هذا بأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون التركيب : إلّا تحيّزا أو تحرّفا ، والتّحيّز والتّحوّز : الانضمام ، وتحوّزت الحيّة : انطوت ، وحزت الشّيء : ضممته ، والحوزة : ما يضمّ الأشياء ، ووزن «متحيّز» «متفيعل» والأصل «متحيوز» فاجتمعت الياء والواو ، وسبقت إحداهما بالسّكون فقلبت الواو ياء ، وأدغمت في الباء بعدها ، ك : ميّت ، ولا يجوز أن يكون : «متفعّلا» ؛ لأنّه لو كان كذلك لكان «متحوّزا» ، فأمّا متحوّز ف «متفعّل».
فصل
معنى الآية : إذا ذهبتم للقتال ، فلا تولوهم الأدبار : أي لا تنهزموا ، فتجعلوا ظهوركم ممّا يليهم ثم بيّن أنّ الانهزام محرم إلّا في حالتين :
إحداهما : أن يكون متحرّفا للقتال ، أي : أنه يجعل تحرفه أنه منهزم ، ثم ينعطف عليه ، وهو أحد أبواب خدع الحرب ومكايدها. يقال : تحرّف وانحرف إذا زال عن جهة الاستواء. والثانية : قوله «أو متحيّزا إلى فئة» والتّحيز الانضمام كما تقدّم ، والفئة
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٧٠.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٠٨.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥١٠.