وقال الكلبيّ : خاف أن يأخذه جبريل ويعرفهم حاله ، فلا يطيعوه (١).
وقيل : معناه إنّي أخاف الله ، أي : أعلم صدق وعده لأوليائه ؛ لأنه كان على ثقة من أمره ، وقيل : معناه إنّي أخاف الله عليكم.
وقوله (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ).
قيل : انقطع الكلام عند قوله (أَخافُ اللهَ) ثم قال (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) ويجوز أن يكون من بقيّة كلام إبليس.
روى طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ، ولا أدحر ، ولا أحقر ، ولا أغيظ منه في يوم عرفة ، وما ذاك إلّا لمّا رأى من تنزّل الرّحمة وتجاوز الله عن الذّنوب العظام ، إلّا ما كان من يوم بدر» (٢).
فقيل : وما رأى يوم بدر؟ قال : «أما إنّه رأى جبريل وهو ينزع الملائكة» ، حديث مرسل.
قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) العامل في «إذ» إمّا «زيّن» ، وإمّا «نكص» وإما (شَدِيدُ الْعِقابِ) وإما «اذكروا».
قال ابن الخطيب : «وإنما لم تدخل الواو في قوله «إذ يقول» ودخلت في قوله «وإذ زيّن» ؛ لأنّ قوله : «وإذ زيّن» عطف التزين على حالهم وخروجهم بطرا ورئاء النّاس.
وأما قوله (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) فليس فيه عطف على ما قبله ، بل هو ابتداء كلام منقطع عما قبله».
فصل
المنافقون : قوم من الأوس والخزرج ، وأمّا الذين في قلوبهم مرض فهم قوم من قريش أسلموا وما قوي إسلامهم ، وكانوا بمكّة مستضعفين ، قد أسلموا وحبسهم أقرباؤهم عن الهجرة فلما خرجت قريش إلى بدر أخرجوهم كرها ، فلمّا نظروا إلى قلّة المسلمين ارتابوا وارتدوا ، وقالوا (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ). و (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) منصوب المحل بالقول.
قال ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنه ـ : «معناه أنه خرج بثلاث مائة وثلاثة عشر يقاتلون ألف رجل» (٣) وقيل المراد : إن هؤلاء يسعون في قتل أنفسهم ، رجاء أن يجعلوا أحياء بعد الموت ، ويثابون على هذا القتل. فقالوا : غرّ هؤلاء دينهم. فقتلوا جميعا ، منهم : قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزوميان ،
__________________
(١) انظر المصدر السابق.
(٢) أخرجه مالك (١ / ٤٢٢) كتاب الحج : باب جامع الحج حديث (٢٤٥) وعبد الرزاق في «المصنف» (٥ / ١٧ ـ ١٨) رقم (٨٨٣٢) والبغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٥٥) عن طلحة بن عبيد الله بن كريز مرسلا.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ١٤١).