وحجّة نافع وابن كثير أنّهما أرادا همزة الاستفهام ، ولكنهما حذفا ذلك من اللّفظ ، وإن كانت باقية في المعنى كقوله تعالى : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ) [الشعراء : ٢٢] وقول الشاعر: [المنسرح]
٢٥٤٠ ـ أفرح أن أرزأ الكرام وأن |
|
.......... (١) |
وقول الآخر : [الطويل]
٢٥٤١ ـ .......... |
|
وذو الشّيب يلعب (٢) |
وكقوله : (هذا رَبِّي) [الأنعام : ٧٦] التقدير : أهذا ربي؟ وقد تقدّم تحقيق هذا ، وأنّه مذهب أبي الحسن ونكر «أجرا» للتعظيم.
قال الزّمخشريّ (٣) : «كقول العرب : إنّ له لإبلا وإن له لغنما يقصدون الكثرة».
قوله : «إن كنّا» شرط جوابه محذوف للدّلالة عليه عند الجمهور ، أو ما تقدّم عند من يجيز تقديم جواب الشّرط عليه.
و «نحن» يجوز فيه أن يكون تأكيدا للضّمير المرفوع ، وأن يكون فصلا فلا محل له عند البصريين ، ومحله الرّفع عند الكسائيّ ، والنّصب عند الفرّاء.
قوله تعالى : (قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)(١١٤)
فإن قيل : قوله : (وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) معطوف على ماذا؟ فالجواب أنّه معطوف على محذوف ، وهو الجملة التي نابت «نعم» عنها في الجواب إذا التقدير : قال : نعم إنّ لكم لأجرا وإنكم لمن المقربين ، أي : إني لا أقصركم على الثّواب ، بل أزيدكم عليه بأن أجعلكم من المقرّبين عندي.
قال المتكلمون : «وهذا يدلّ على أنّ الثواب إنّما يعظم موقعه إذا كان مقرونا بالتعظيم».
وهذه الآية تدلّ على أنّ كل الخلق كانوا عالمين بأن فرعون كان عبدا ذليلا عاجزا وإلا لما احتاج إلى الاستعانة بالسحرة في دفع موسى ، ويدلّ على أن السّحرة لم يقدروا على قلب الأعيان ، وإلا لما احتاجوا إلى طلب الأجر والمال من فرعون ؛ لأنهم لو قدروا على قلب الأعيان فلم لم يقلبوا التراب ذهبا ، ولم لم ينقلوا ملك فرعون إلى أنفسهم ، ولم لم يجعلوا أنفسهم ملوك العالم. والمقصود من هذه الآيات تنبيه الإنسان على الاحتراز عن الاغترار بكلمات أهل الأباطيل.
قوله تعالى : (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ)(١١٥)
قوله : (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) : إمّا هنا للتخيير ، ويطلق عليها حرف عطف مجازا.
قال المفسرون : «تأدّبوا مع موسى ـ عليهالسلام ـ فكان ذلك سبب إيمانهم».
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ١٣٩.