فصل في دحض شبهة للمعتزلة
قال الجبّائيّ ، والكعبيّ ، والقاضي (١) : دلّت هذه الآية على أنّه تعالى أراد من بعثة الرّسل إلى الخلق التّقوى ، والفوز بالرّحمة ، وذلك يبطل قول من قال : إنّه تعالى أراد من بعضهم الكفر والعناد ، وخلقهم لأجل العذاب والنار.
والجواب بأن نقول : إن لم يتوقّف الفعل على الدّاعي لزم رجحان الممكن لا لمرجح ، وإن توقّف لزم الجبر ، ومتى لزم ذلك ، وجب القطع بأنّه تعالى أراد الكفر ، وذلك يبطل مذهبكم.
قوله : «فكذّبوه» : أي في ادّعاء النّبوّة والرّسالة.
«فأنجيناه» من الطّوفان ، وأنجينا من كان معه [وكانوا أربعين رجلا ، وأربعين امرأة](٢).
وقيل : عشرة : بنوه : حام ، وسام ، ويافث ، وسبعة ممن آمن معه من المؤمنين.
«في الفلك» أي : في السّفينة ، وأغرقنا الكفّار والمكذّبين ، وبين العلّة في ذلك فقال : (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ).
قوله : «في الفلك» يجوز أن يتعلق ب «أنجيناه» ، أي : أنيجناه في الفلك ، [ويجوز أن تكون «في» حينئذ سببيّة أي : بسبب الفلك](٣) كقوله : «إنّ امرأة دخلت النّار في هرّة» (٤) ، ويجوز (٥) أن يتعلق في الفلك بما تعلّق به الظّرف الواقع صلة ، أي : الذين استقرّوا في الفلك معه.
«وعمين» جمع عم ، وقد تقدّم الكلام على هذه المادة (٦).
وقيل : عم هنا إذا كان أعمى البصيرة ، [قال ابن عباس : عميت قلوبهم عن معرفة التّوحيد ، والنّبوة والمعاد (٧) قال أهل اللّغة](٨) : غير عارف بأموره ، وأعمى أي في البصر.
قال زهير : [الطويل]
٢٤٩٩ ـ وأعلم علم اليوم والأمس قبله |
|
ولكنّني عن علم ما في غد عم (٩) |
قاله اللّيث وقيل : عم وأعمى بمعنى ، كخضر وأخضر.
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٢٥.
(٢) سقط من أ.
(٣) سقط من أ.
(٤) أخرجه البخاري (٦ / ٤٠٩) كتاب بدء الخلق : باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه حديث (٣٣١٤) ومسلم (٤ / ٢٠٢٢) كتاب البر والصلة : باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذي حديث (١٣٣ / ٢٦٤٢) من حديث ابن عمر.
(٥) في أ : ويحق.
(٦) ينظر تفسير الآية (١٨) من سورة البقرة.
(٧) ذكره البغوي في تفسيره ٢ / ١٦٩.
(٨) سقط من ب.
(٩) تقدم.