قال ابن عطيّة (١) ليقع التوبيخ بصفة قوم قد فعلوا أمثالا للمؤمنين إذا شبه فعلهم فعل الممثل بهم.
قوله : «وجدنا» يحتمل أن يكون العلمية أي علمنا طريقهم أنها هذه ، ويحتمل أن يكون بمعنى : لقينا ، فيكون مفعولا ثانيا على الأول وحالا على الثاني.
فصل في المراد من الآية
قوله (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) قال ابن عبّاس ، ومجاهد : هي طوافهم بالبيت عراة (٢).
وقال عطاء : الشّرك.
وقيل : ما كانوا يحرمونه من البحيرة والسّائبة وغيرها ، وهو اسم لكلّ فعل قبيح بلغ النّهاية في القبح ، فالأولى أن يحكم بالتعميم ، وفيه إضمار معناه : وإذا فعلوا فاحشة فنهوا عنها قالوا : وجدنا عليها آباءنا.
قيل : ومن أين أخذ آباؤكم؟ قالوا : الله أمرنا بها.
واعلم أنّه ليس المراد أنّ القوم كانوا يعتقدون أن تلك الأفعال فواحش ثم يزعمون أنّ الله أمرهم بها ، فإنّ ذلك لا يقوله عاقل ، بل المراد أن تلك الأشياء في أنفسها فواحش ، والقوم كانوا يعتقدون أنها طاعات والله أمرهم بها ثمّ إنّه تعالى حكى عنهم أنّهم كانوا يحتجون على إقدامهم على تلك الفواحش بأمرين :
أحدهما : (وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا).
والثاني : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها).
فأمّا الحجّة الأولى فما ذكر الله عنها جوابا لأنّها محض التّقليد ، وهو طريقة فاسدة في عقل كلّ أحد ؛ لأنّ التقليد حاصل في الأديان المتناقضة فلو كان التّقليد حقا للزم الحكم بأنّ كلّ واحد من المتناقضين حقّا وذلك باطل ، ولما كان فساد هذا الطّريق ظاهرا جليا لم يذكر الجواب عنه.
وأمّا الحجّة الثّانية وهي قولهم : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) فقد أجاب الله عنها بقوله : (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) والمعنى أنّه لما بين على لسان الأنبياء والرّسل كون هذه الأفعال منكرة قبيحة ، فكيف يمكن القول بأنّ الله تعالى أمرنا بها.
وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) حذف المفعول الأوّل للعلم به أي لا يأمر أحدا أو لا يأمركم يا مدّعين ذلك.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٩١.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٦٣) عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والشعبي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٤٣) عن ابن عباس وزاد نسبته لابن المنذر وأبي الشيخ.
وذكره أيضا عن مجاهد (٣ / ١٤٣) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.