فصل في المراد ب (أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ)
قال مجاهد والسدي : معنى (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) وجهوا حيث ما كنتم في الصّلاة إلى الكعبة (١).
وقال ابن عبّاس والضحاك : إذا حضرت الصّلاة ، وأنتم عند مسجد فصلّوا فيه ولا يقولن أحدكم أصلي في مسجدي (٢).
وقيل : معناه : اجعلوا سجودكم لله خالصا ، والسبب في ذكر هذين القولين أنّ إقامة الوجه في العبادة قد تكون باستقبال القبلة ، وقد تكون بالإخلاص في تلك العبادة.
والأقرب هو الأوّل ؛ لأنّ الإخلاص مذكور بعده ، فلو حملناه على معنى الإخلاص صار كأنّه قال : وأخلصوا عند كلّ مسجد وادعوه مخلصين ، وذلك لا يستقيم. فإن قيل يستقيم ذلك إذا علقت الإخلاص بالدّعاء فقط.
فالجواب لما أمكن رجوعه إليهما جميعا لم يجز قصرهما على أحدهما خصوصا مع قوله : (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فعم كل ما يسمى دينا ، وإذا ثبت هذا فاختلفوا في قوله : (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) هل المراد منه زمان الصّلاة أو مكانها على ما تقدم؟
قوله : «مخلصين» حال من فاعل «ادعوه» ، و «الدّين» مفعول به باسم الفاعل وله متعلق ب «مخلصين» ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنّه حال من «الدين» ، والمراد اعبدوه مخلصين له الطّاعة.
«والعبادة» قال ابن الخطيب (٣) : المراد به أعمال الصّلاة ، وسمّاها دعاء لأنّ الصلاة في اللّغة عبارة عن الدّعاء ، ونظيره قوله (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة : ٥].
قوله : (كَما بَدَأَكُمْ) «الكاف» في محل نصب نعتا لمصدر محذوف تقديره : تعودون عودا مثل ما بدأكم.
وقيل : تقديره : تخرجون خروجا مثل ما بدأكم ذكرهما مكي (٤) ، والأوّل أليق بلفظ الآية الكريمة.
وقال ابن الأنباريّ : موضع «الكاف» في «كما» نصب ب «تعودون» وهو على مذهب العرب في تقديم مفعول الفعل عليه أي : تعودون كما ابتدأ خلقكم.
قال الفارسي : كما بدأكم تعودون ليس على ظاهره إذ ظاهره تعودون على البدء ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٦٤) عن مجاهد والسدي ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٤٣) عن مجاهد.
(٢) ذكره الرازي في تفسيره (١٤ / ٤٨).
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٤٨.
(٤) ينظر : المشكل ١ / ٣١١.