وقرأ الأعمش (١) : «برسالاتي وبكلمي» جمع «كلمة» وروى عنه المهدويّ (٢) أيضا «وتكليمي» على وزن التّفعيل ، وهي تؤيّد أنّ الكلام مصدر.
وقرأ أبو رجاء (٣) «برسالتي» بالإفراد و «بكلمي» بالجمع ، أي : وبسماع كلمي.
فصل
لما طلب موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ الرؤية ومنعه الله تعالى ، عدد عليه وجوه نعمه العظيمة ، وأمره بشكرها.
كأنّه قال له : إن كنت قد منعتك الرؤية فقد أعطيتك من النّعم العظيمة كذا وكذا ، فلا يضيق صدرك بسبب منع الرّؤية ، وانظر إلى أنواع النّعم التي خصصتك بها واشتغل بشكرها ، والمراد : تسلية موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن منع الرؤية.
فإن قيل : كيف اصطفاه على النّاس برسالاته مع أنّ كثيرا من النّاس قد ساواه في الرسالة؟ فالجواب : أنّه تعالى بيّن أنّه خصّه من دون النّاس بمجموع الأمرين : وهو الرسالة مع الكلام بغير واسطة ، وهذا المجموع لم يحصل لغيره ، وإنّما قال : «على النّاس» ولم يقل : على الخلق ؛ لأنّ الملائكة تسمع كلام الله من غير واسطة كما سمعه موسى.
قال القرطبيّ : «ودلّ هذا على أنّ قومه لم يشاركه أحد منهم في التّكليم ولا أحد من السّبعين».
قوله : (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) أي : اقنع بما أعطيتك. (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ، أي : المظهرين لإحساني إليك ، وفضلي عليك.
يقال : دابّة شكور ، إذا ظهر عليها من السّمن فوق ما تعطى من العلف ، والشّاكر متعرض للمزيد ؛ كما قال تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم : ٧].
قوله تعالى : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً). قوله : في الألواح يجوز أن تكون لتعريف الماهيّة ، وأن تكون للعهد ؛ لأنّه يروى في القصّة أنّه هو الذي قطّعها وشقّقها.
وقال ابن عطيّة (٤) أل عوض من الضمير ، تقديره : في ألواحه ، وهذا كقوله : (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٤١] أي : مأواه. أمّا كون أل عوضا من الضّمير فلا يعرفه البصريون. وأمّا قوله : (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) فإنّا نحتاج فيه إلى رابط يربط بين الاسم والخبر ، والكوفيون : يجعلون أل عوضا من الضمير. والبصريون : يقدّرونه ، أي : هي المأوى له ، وأما في هذه الآية فلا ضرورة تدعو إلى ذلك.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٨٥ ، والدر المصون ٣ / ٣٤٠.
(٢) ينظر : السابق.
(٣) السابق.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٥٢.