لأجلهم هذا القول : «إن ينتهوا» ، ولو كان بمعنى خاطبهم به ، لقيل : إن تنتهوا يغفر لكم وهي قراءة ابن مسعود ، ونحو (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) خاطبوا به غيرهم ليسمعوه» وقرىء (١) «يغفره» مبنيا للفاعل ، وهو ضمير يعود على الله تعالى.
فصل
المعنى : قل للّذين كفروا إن ينتهوا عن الكفر وعداوة الرّسول ويسلموا (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) من كفرهم وعداوتهم للرّسول ، وإن عادوا إليه ، وأصرّوا عليه : (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) في نصرة الله أنبياءه ، وأولياءه ، وإهلاك أعداءه ؛ فليتوقّعوا مثل ذلك.
وقال يحيى بن معاذ الرازي : توحيد ساعة لم يعجز عن هدم ما قبله من كفر ، وأرجو ألّا يعجز عن هدم ما بعده من ذنب.
واستدلّوا بهذه الآية على صحّة توبة الزّنديق ، وأنها تقبل ، واستدلوا بها أيضا على أنّ الكفّار ليسوا مخاطبين بالفروع ؛ لأنّها لا تصح منهم في حال الكفر ، وبعد الإسلام لا يلزم قضاؤها.
واحتجّوا بها أيضا على أنّ المرتد إذا أسلم لا يلزمه قضاء العبادات الّتي تركها في حال الردّة.
قوله تعالى (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) الآية.
لمّا بيّن أن الكفار إن انتهوا عن الكفر غفر لهم ، وإن عادوا فهم متوعدون ، أتبعه بأن أمر بقتالهم إذا أصروا ، فقال : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ).
وقال عروة بن الزبير : «كان المؤمنون يفتنون عن دين الله في مبدأ الدّعوة ، فافتتن بعض المسلمين ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم المسلمين أن يخرجوا إلى الحبشة ، وفتنة ثانية وهي أنه لمّا بايعت الأنصار رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيعة العقبة ، أرادت قريش أن يفتنوا المؤمنين بمكّة عن دينهم ؛ فأصاب المؤمنين جهد شديد ، فهذا هو المراد من الفتنة ؛ فأمر الله بقتالهم حتّى تزول هذه الفتنة» (٢).
قال المفسّرون : (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي : شرك.
وقال الربيع : «حتّى لا يفتن مؤمن عن دينه».
قال القاضي «إنه تعالى أمر بقتالهم ، ثم بيّن له قتالهم ، فقال : (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ويخلص الدّين الذي هو دين الله من سائر الأديان ، وإنّما يحصل هذا المقصود إذا زال الكفر بالكليّة» ، «ويكون» العامّة على نصبه ، نسقا على المنصوب (٣) مرفوعا على الاستئناف.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٢٠ ، البحر المحيط ٤ / ٤٨٩ ، الدر المصون ٣ / ٤١٩.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ١٣١).
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٨٩ ، الدر المصون ٣ / ٤١٩.