النّاصب ل «إذ» يجوز أن يكون مضمرا ، أي : اذكر ، ويجوز أن يكون «عليم» ، وفيه بعد من حيث تقييد هذه الصفة بهذا الوقت ، ويجوز أن تكون «إذ» هذه بدلا من «إذ» قبلها ، والإراءة هنا حلمية.
واختلف فيها النّحاة : هل تتعدّى في الأصل لواحد كالبصريّة ، أو لاثنين ، كالظّنّيّة؟.
فالجمهور على الأوّل. فإذا دخلت همزة النّقل أكسبتها ثانيا ، أو ثالثا على حسب القولين فعلى الأوّل تكون الكاف مفعولا أول ، و «هم» مفعول ثان ، و «قليلا» حال ، وعلى الثّاني يكون «قليلا» نصبا على المفعول الثالث ، وهذا يبطل بجواز حذف الثالث في هذا الباب اقتصارا ، أي : من غير دليل ، تقول : أراني الله زيدا في منامي ، ورأيتك في النوم ، ولو كانت تتعدّى لثلاثة ، لما حذف اقتصارا ؛ لأنه خبر في الأصل.
فصل
المعنى : إذ يريك الله يا محمد المشركين في منامك ، أي : نومك.
قال مجاهد : أرى الله النبي ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ كفار قريش في منامه قليلا ، فأخبر بذلك أصحابه ، فقالوا : رؤيا النّبي حق ، القوم قليل ، فصار ذلك سببا لقوّة قلوبهم (١).
فإن قيل : رؤية الكثير قليلا غلط ، فكيف يجوز من الله تعالى أن يفعل ذلك؟.
فالجواب : أنّ الله تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، ولعلّه تعالى أراه البعض دون البعض فحكم الرسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ على أولئك الذين رآهم بأنهم قليلون.
وقال الحسن : هذه الإراءة كانت في اليقظة ، قال : والمراد من المنام : العين ؛ لأنّها موضع النّوم (٢).
(وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) لجبنتم (وَلَتَنازَعْتُمْ) اختلفتم «في الأمر» أي : في الإحجام والإقدام (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) أي : سلّمكم من المخالفة والفشل.
وقيل : سلّمهم من الهزيمة يوم بدر.
(إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
قال ابن عبّاس : عليم بما في صدوركم من الحبّ لله تعالى (٣) وقيل : يعلم ما في صدوركم من الجراءة ، والجبن والصّبر والجزع.
قوله تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) ، الإراءة ـ هنا ـ بصرية ، والإتيان هنا بصلة ميم الجمع واجب ، لاتصالها بضمير ، ولا يجوز التّسكين ، ولا الضّمّ من غير واو ، وقد جوّز
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٥٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٥٢).
(٣) انظر المصدر السابق وذكره الرازي (١٥ / ١٣٦).