له : طوبى له عصفور من عصافير الجنّة. فقال صلىاللهعليهوسلم : وما يدريك؟ إنّ الله خلق الجنّة وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم وخلق النّار وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم (١).
فصل
هذه الآية أيضا تدلّ على مسألة خلق الأعمال ؛ لأنّه تعالى صرّح بأنّه خلق كثيرا من الجن والإنس لجهنم ولا مزيد على بيان كلام الله ، وأيضا أنه لمّا أخبر عنهم أنّهم من أهل النّار ، فلو لم يكونوا من أهل النّار انقلب علم الله جهلا ، وخبره الصّدق كذبا ، وكل ذلك محال ومن علم كون الشّيء محالا امتنع أن يريده ، فامتنع أن الله تعالى يريد أن لا يدخلهم النار بل يجب أن يريد أن يدخلهم النار ، وذلك هو الذي دلّ عليه لفظ الآية ، وأيضا إنّ القادر على الكفر إن لم يقدر على الإيمان ، فالذي خلق فيه القدرة على الكفر فقد أراد أن يدخله النار ، وإن كان قادرا على الكفر والإيمان معا ؛ امتنع رجحان أحد الطّرفين على الآخر لا لمرجح وذلك المرجح إن حصل من قبله لزم التسلسل ، وإن حصل من قبل الله تعالى ، فهو المراد. فلمّا كان هو الخالق للدّاعية الموجبة للكفر فقد خلقه للنّار قطعا ، وأيضا : لو خلقه الله تعالى للجنّة وأعانه على اكتساب ما يوجب دخول الجنّة ، ثم قدرنا أنّ العبد سعى في تحصيل الكفر الموجب لدخول النّار ، فحينئذ حصل مراد العبد ، ولم يحصل مراد الله تعالى فلزم كون العبد أقدر وأقوى من الله ، وذلك لا يقوله عاقل ، وأيضا : إنّ العاقل لا يريد الكفر والجهل الموجب لاستحقاق النار ، وإنّما يريد الإيمان والمعرفة الموجبة لاستحقاق الجنّة فلما حصل الكفر ، والجهل على خلاف قصد العبد وضد جدّه واجتهاده ؛ وجب أن لا يكون حصوله من قبل العبد ، بل يجب أن يكون حصوله من الله تعالى.
فإن قيل : العبد إنّما سعى في تحصيل ذلك الاعتقاد الفاسد ؛ لأنّه اشتبه عليه الأمر وظن أنه الحقّ الصّحيح.
فنقول : فعلى هذا التقدير إنّما وقع في هذا الجهل لأجل ذلك الجهل المتقدّم ، فإن كان إقدامه على ذلك الجهل السّابق لجهل آخر سابق ، لزم التسلسل ، وهو محال ، وإن انتهى إلى جهل حصل ابتداء لا لسابقة جهل آخر ، فقد توجه الإلزام.
قالت المعتزلة : لا يمكن أن يكون المراد من هذه الآية ما ذكرتم ، لأن كثيرا من الآيات دلت على أنه تعالى أراد من الكل الطاعة والعبادة.
قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) [النساء : ٦٤] وقال :
__________________
(١) أخرجه أبو داود (كتاب السنة ب ١٧) والحميدي (٢٦٥) من حديث عائشة.