قال أبو حيان : «وهذا أولى ، لأنّ الأوّل يلزم منه حذف مضاف ومعطوفه ، إذ التقدير : من بعد عمل السّيئات والتوبة منها».
قوله : «وآمنوا» يجوز أن تكون الواو للعطف ، فإن قيل : التّوبة بعد الإيمان ، فكيف جاءت قبله؟ فيقال الواو لا ترتّب ، ويجوز أن تكون الواو للحال ، أي : تابوا ، وقد آمنوا (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
قوله : «ولمّا سكت» السّكوت والسّكات قطع الكلام ، وهو هنا استعارة بديعة.
قال الزمخشريّ (١) : هذا مثل كأنّ الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول له : قل لقومك كذا ، وألق الألواح وخذ برأس أخيك إليك ، فترك النّطق بذلك ، وترك الإغراء به ، ولم يستحسن هذه الكلمة ، ولم يستفصحها كلّ ذي طبع سليم وذوق صحيح إلّا لذلك ، ولأنّه من قبيل شعب البلاغة ، وإلّا فما لقراءة معاوية بن قرة : ولمّا سكن بالنّون ، لا تجد النّفس عندها شيئا من تلك الهمزة وطرفا من تلك الرّوعة؟
وقيل : شبّه جمود الغضب بانقطاع كلام المتكلّم.
قال يونس : «[سال] الوادي ثم سكت فهذا أيضا استعارة».
وقال الزّجّاج : مصدر : سكت الغضب : السكتة ، ومصدر : سكت الرّجل : السّكوت» وهو يقتضي أن يكون «سكت الغضب» فعلا على حدته.
وقيل : هذا من باب القلب ، والأصل : ولما سكت موسى عن الغضب ، نحو : أدخلت القلنسوة في رأسي ، أي : أدخلت رأسي في القلنسوة.
قاله عكرمة : وهذا ينبغي أن لا يجوز لعدم الاحتياج إليه ، مع ما في القلب من الخلاف المتقدّم.
وقيل المراد بالسّكوت : السّكون والزّوال ، وعلى هذا جاز سكت عن موسى الغضب ولا يجوز صمت ؛ لأن سكت بمعنى سكن ، وأما صمت بمعنى سدّ فاه عن الكلام ، فلا يجوز في الغضب.
فصل
ظاهر الآية يدلّ على أنّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لمّا عرف أن أخاه هارون لم يقع منه تقصير وظهر له صحة عذرة ، فحينئذ سكن غضبه ، وهو الوقت الذي قال فيه : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي).
وقوله : «أخذ الألواح» ظاهر هذا يدلّ على أن شيئا منها لم ينكسر ، ولم يرفع منها ستة أسباعها كما نقل عن بعضهم.
__________________
(١) ينظر : تفسير الكشاف ٢ / ١٦٣.