وعلى الثاني [يكون] الأصل دلّلهما ، فاستثقل توالي ثلاثة أمثال فأبدلت الثّالث حرف لين كقولهم : تظنّيت في تظنّنت ، وقصّيت أظفاري في قصصت. وقال : [الرجز]
٢٤٣٨ ـ تقضّي البازي إذا البازي كسر (١)
فصل في معنى «فدلاهما بغرور»
قال ابن عبّاس «فدلّاهما بغرور» أي غرهما باليمين وكان آدم يظنّ أنّ أحدا لا يحلف كاذبا بالله (٢).
وعن ابن عمر أنّه كان إذا رأى من عبيده طاعة وحسن صلاة أعتقه فكان عبيده يفعلون ذلك طلبا للعتق فقيل له إنّهم يخدعونك فقال : من خدعنا بالله ؛ انخدعنا له (٣).
قيل معناه ما زال يخدعه ، ويكلمه بزخرف من القول باطل.
وقيل حطّهما من منزلة الطّاعة إلى حالة المعصية ، ولا يكون الدلوى إلّا من علوّ إلى أسفل.
قوله : (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) «الذّوق» وجود الطّعم بالفم ، ويعبر به عن الأكل وقيل: الذّوق مسّ الشّيء باللّسان ، أو بالفم يقال فيه : ذاق يذوق ذوقا مثل صام ، يصوم صوما ، ونام ينام نوما.
وهذه الآية تدل على أنهما تناولا البرّ قصدا إلى معرفة طعمه ، ولو لا أنّه تعالى ذكر في آية أخرى أنّهما أكلا منها لكان ما في هذه الآية لا يدلّ على الأكل ؛ لأنّ الذّائق قد يكون ذائقا من دون أكل.
قوله : (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) أي ظهرت عورتهما وزال اللّباس عنهما.
روي عن ابن عباس أنّه قال : قبل أن ازدردا أخذتهما العقوبة وظهرت لهما عورتهما ، وتهافت لباسهما حتى أبصر كلّ واحد منهما ما ووري عنه من عورة صاحبه فكانا لا يريان ذلك(٤).
قوله «وطفقا» طفق من أفعال الشّروع كأخذ وجعل ، وأنشأ وعلّق وهبّ وانبرى ،
__________________
(١) البيت للعجاج وهو من أرجوزة له ، وبعده :
إذا الكرام ابتدروا الباع بدر
ينظر ديوانه ٢٨ ، مجاز القرآن ٢ / ٣٠٠ ، الخصائص ٢ / ٩٠ ، والطبري ٣٠ / ١١٧ ، والاقتضاب ٤١٣ ، وشواهد الكشاف ٢ / ١٤٩ ، المحتسب ١ / ١٥٧ ، الكامل ٣٠ / ٤٧ ، الهمع ٢ / ١٥٧ ، الأشموني ٤ / ٣٣٦ ، ابن يعيش ١٠ / ٢٥ ، الدر المصون ٣ / ٢٥٠.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٧ / ١١٦) والرازي في «تفسيره» (١٤ / ٤١.
(٣) انظر تفسير الرازي (١٤ / ٤١.
(٤) ذكره البغوي في تفسيره ٢ / ١٥٣.