ومفعول «يصدّون» محذوف أي : يصدّون النّاس ، ويجوز ألّا يقدر له مفعول.
والمعنى : الّذين من شأنهم الصّدّ كقولهم : «هو يعطي ويمنع».
ومعنى «يصدّون» أي : يمنعون النّاس من قبول الدين الحقّ ، إمّا بالقهر ، وإمّا بسائر الحيل.
ويجوز أن يكون «يصدّون» بمعنى يعرضون من : صدّ صدودا ، فيكون لازما.
قوله : (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي بإلقاء الشكوك والشّبهات في دلائل الدّين الحق ، ثم قال: و (بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ).
وهذا يدلّ على فساد ما قاله القاضي من أنّ ذلك اللعن يعم الفاسق والكافر (١).
والعوج بكسر العين في الدّين والأمر وكلّ ما لم يكن قائما ، وبالفتح في كلّ ما كان قائما كالحائط والرّمح ونحوه.
قوله تعالى :(وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ)(٤٦)
أي بين أصحاب الجنّة وأصحاب النّار ، وهذا هو الظّاهر كقوله : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) [الحديد : ١٣].
وقيل : بين الجنّة والنّار ، وبه بدأ الزّمخشريّ.
فإن قيل : وأي حاجة إلى ضرب هذا السّور بين الجنّة والنّار ، وقد ثبت أن الجنّة فوق والنّار في أسفل السّافلين؟.
فالجواب : بعد إحداهما عن الأخرى لا يمنع أن يحصل بينهما سور وحجاب.
قوله : «وعلى الأعراف» : قال الزّمخشريّ (٢) : أي : وعلى أعراف الحجاب.
قال القرطبيّ (٣) : أعراف السّور وهي شرفه ، ومنه عرف الفرس وعرف الدّيك ، كأنّه جعل «أل» عوضا من الإضافة وهو مذهب كوفي ، وتقدّم تحقيقه.
وجعل بعضهم نفس الأعراف هي نفس الحجاب المتقدم ذكره ، عبر عنه تارة بالحجاب ، وتارة بالأعراف.
قال الواحديّ ـ ولم يذكر غيره ـ : «ولذلك عرّفت الأعراف ؛ لأنّه عني بها الحجاب» قاله ابن عباس.
والأعراف : جمع عرف بضمّ العين ، وهو كلّ مرتفع من أرض وغيرها استعارة من عرف الدّيك ، وعرف الفرس.
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٧١.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١٠٦.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ١٣٥.