وقال السديّ : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي : لو استغفروا ، ولكنهم لم يكونوا مستغفرين ولو أقرّوا بالذّنب واستغفروا لكانوا مؤمنين (١).
وقال عكرمة : (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) يسلمون ، يقول : لو أسلموا لما عذبوا (٢) ، وروى الوالبي عن ابن عبّاس : أي : وفيهم من سبق له من الله أنه يؤمن ويستغفر كأبي سفيان ، ومصعب بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام ، وغيرهم (٣).
وروى عبد الوهاب عن مجاهد : (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي : وفي أصلابهم من يستغفر(٤).
قوله تعالى (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) الآية.
في «أن» وجهان :
أظهرهما : أنّها مصدرية ، وموضعها إما نصب ، أو جرّ ؛ لأنّها على حذف حرف الجر ، إذ التقدير : في ألّا يعذّبهم ، وهذا الجارّ متعلق بما تعلّق به : «لهم» من الاستقرار ، والتقدير : أيّ شيء استقر لهم في عدم تعذيب الله إياهم؟ بمعنى : لا حظ لهم في انتفاء العذاب.
والثاني : أنّها زائدة وهو قول الأخفش.
قال النّحّاس (٥) : لو كانت كما قال لرفع «يعذّبهم». يعني النّحاس : فكان ينبغي أن يرتفع الفعل على أنه واقع موقع الحال ، كقوله : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) [المائدة : ٨٤] ولكن لا يلزم من الزيادة عدم العمل ، ألا ترى : أنّ «من» و «الباء» يعملان وهما مزيدتان.
وقال أبو البقاء (٦) : «وقيل هو حال ، وهو بعيد ، لأنّ «أن» تخلّص الفعل للاستقبال».
والظّاهر أنّ «ما» في قوله (وَما لَهُمْ) استفهامية ، وهو استفهام معناه التقرير ، أي : كيف لا يعذّبون وهم متّصفون بهذه الحال؟.
وقيل : «ما» نافية ، فهي إخبار بذلك ، أي : ليس عدم التّعذيب ، أي : لا ينتفي عنهم التعذيب مع تلبسهم بهذه الحال.
فصل
معنى الآية : وما يمنعهم من أن يعذبوا ، أي : بعد خروجك من بينهم : (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي : يمنعون المؤمنين من الطّواف ، وقيل : أراد بالعذاب بالأوّل عذاب الدّنيا ، وبهذا عذاب الآخرة.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٣٥) وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٦.
(٢) انظر : المصدر السابق.
(٣) انظر : المصدر السابق.
(٤) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٦) من طريق عبد الوهاب عن مجاهد.
(٥) ينظر : إعراب القرآن للنحاس ١ / ٦٧٥.
(٦) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ٢ / ٦.