فصل
احتجّوا على فساد قول أبي هاشم في أنّ تارك الواجب يستحقّ العقاب بمجرّد أن لا يفعل الواجب ، وإن لم يصدر منه فعل ضدّ ذلك الواجب بهذه الآية.
قالوا : لأنّها تدلّ على أنّه لا جزاء إلّا على العمل ، وترك الواجب ليس بعمل ؛ فوجب أن لا يجازى عليه ؛ فثبت أنّ الجزاء إنّما حصل على فعل ضده.
وأجاب أبو هاشم : بأنّي لا أسمّي ذلك العقاب جزاء ، فسقط الاستدلال.
وأجابوا عن هذا : بأنّ الجزاء إنّما سمّي جزاء ؛ لأنّه يجزي ، ويكفي في المنع عن المنهيّ ، وفي الحثّ على المأمور به ، فإن ترتّب العقاب على مجرد ترك الواجب ؛ كان ذلك العقاب كافيا في الزّجر عن ذلك التّرك ، فكان جزاء ، فلا سبيل إلى الامتناع من تسميته جزاء.
قوله تعالى : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ) الآية. أي : من بعد مضيّه وذهابه إلى الميقات والجارّان متعلّقان ب «اتّخذ» ، وجاز أن يتعلّق بعامل حرفا جرّ متحدا اللّفظ ، لاختلاف معنيهما لأنّ الأولى لابتداء الغاية ، والثّانية للتّبعيض ، ويجوز أن يكون «من حليّهم» متعلّقا بمحذوف على أنّه حال من عجلا لأنّه لو تأخّر عنه لكان صفة فكان يقال عجلا من حليهم.
وقرأ الأخوان (١) من حليّهم بكسر الحاء ووجهها الإتباع لكسرة اللّام ، وهي قراءة أصحاب عبد الله وطلحة ويحيى بن وثاب والأعمش.
والباقون بضمّ اللّام ، وهي قراءة الحسن وأبي جعفر وشيبة بن نصاح ، وهو في القراءتين جمع «حلي» ك «طيّ» ، فجمع على «فعول» ك «فلس» و «فلوس» فأصله : حلويّ كئدي في «ثدوي» ، فاجتمعت الياء والواو ، وسبقت إحداهما بالسّكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت ، وكسرت عين الكلمة ، وإن كانت في الأصل مضمومة لتصحّ الياء ، ثمّ لك فيه بعد ذلك وجهان : ترك الفاء على ضمّها ، أو إتباعها للعين في الكسرة ، وهذا مطّرد في كل جمع على «فعول» من المعتلّ اللّام ، سواء كان الاعتلال بالياء ك «حليّ» و «ثدي» أم بالواو نحو : «عصيّ» ، و «دليّ» جمع عصا ودلو. وقرأ يعقوب «من حليهم» بفتح الحاء وسكون اللّام ، وهي محتملة لأن يكون «الحلي» مفردا أريد به الجمع ، أو اسم جنس مفرده «حلية» على حدّ قمح وقمحة ، و «عجلا» مفعول «اتّخذ» و «من حليّهم» تقدّم حكمه. ويجوز أن يكون «اتّخذ» متعدية لاثنين بمعنى «صيّر» فيكون : «من حليّهم» هو المفعول الثاني.
وقال أبو البقاء : «وهو محذوف ، أي : إلها» ولا حاجة إليه. والحلي : اسم لما يحسّن به من الذّهب والفضّة.
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٩٤ ، والحجة ٤ / ٨٠ ، وإعراب القراءات ١ / ٢٠٧ ، وحجة القراءات ٢٩٦ ، وإتحاف ٢ / ٦٢ ، ٦٣.