ذلك ، وقد تقدّم الكلام على هذه المسألة ، وأنّ ابن مالك سوّى بينهما ، وأنّ مكيّا له فيها كلام مشكل.
وجيء بلفظ «ينزع» مضارعا على أنّه حكاية حال كأنّها قد وقعت وانقضت.
والنّزع : الجذب للشّيء بقوّة عن مقرّه ، ومنه : (تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر : ٢٠].
ومنه نزع القوس وتستعمل في الأعراض ، ومنه نزع العداوة والمحبّة من القلب ، ونزع فلان كذا سلبه ، ومنه (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) [النازعات : ١] لأنّها تقلع أرواح الكفرة بشدّة ، ومنه المنازعة وهي المخاصمة.
والنّزع عن الشّيء كفّ عنه ، والنّزع : الاشتياق الشّديد ، ومنه نزع إلى وطنه ونزع إلى مذهب كذا نزعة ، وأنزع القوم : نزعت إبلهم إلى مواطنها ، ورجل أنزع أي : زال شعره ، والنّزعتان بياض يكتنف النّاصية ، والنّزعة أيضا الموضع من رأس الأنزع ، ولا يقال : امرأة نزعاء إذا كان بها ذلك ، بل يقال لها : زعراء ، وبئر نزوع : أي قريبة القعر لأنّها ينزع منها باليد.
فصل في معنى «اللباس»
اختلفوا في اللّباس الذي نزع عنهما ، فقيل : النّور (١) ، وقيل : التّقى (٢).
وقيل : ثياب الجنّة ، وهذا أقرب ؛ لأنّ إطلاق اللّباس يقتضيه ، والمقصود : تأكيد التّحذير لبني آدم.
واللام في قوله : (لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) لام العاقبة كما ذكرنا في قوله : «ليبدي لهما».
وقال ابن عبّاس : يرى آدم سوءة حوّاء ، وترى حواء سوءة آدم (٣).
قوله : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) هو تأكيد للضّمير المتّصل ليسوّغ العطف عليه ، كذا عبارة بعضهم.
قال الواحديّ (٤) : أعاد الكناية ليحسن العطف كقوله : [(اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة : ٣٥].
قال شهاب الدّين (٥) : ولا حاجة إلى التّأكيد في مثل هذه الصّورة](٦) لصحّة العطف إذ الفاصل هنا موجود ، وهو كاف في صحة العطف ، فليس نظير (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ).
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٤٢) وعزاه لعبد بن حميد عن وهب بن منبه.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٦٢) عن مجاهد.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٤ / ٤٥) عن ابن عباس.
(٤) ينظر الرازي ١٤ / ٤٥.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٥٥.
(٦) سقط من أ.