و «جسدا» فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أنّه نعت. الثّاني : أنّه عطف بيان ، والثالث : أنّه بدل قاله الزمخشريّ ، وهو أحسن ؛ لأنّ الجسد ليس مشتقا ، فلا ينعت به إلا بتأوّل ، وعطف البيان في النكرات قليل ، أو ممتنع عند الجمهور ، وإنّما قال : «جسدا» لئلّا يتوهّم أنّه كان مخطوطا ، أو مرقوما. والجسد : الجثة.
وقيل : ذات لحم ودم.
قوله : «له خوار» في محل النّصب نعتا ل «عجلا» ، وهذا يقوّي كون «جسدا» نعتا ؛ لأنه إذا اجتمع نعت وبدل قدّم النّعت على البدل ، والجمهور على خوار بخاء معجمة وواو صريحة ، وهو صوت البقر خاصّة ، وقد يستعار للبعير ، والخور : الضّعف ، ومنه أرض خوّارة وريح خوار والخوران : مجرى الرّوث ، وصوت البهائم أيضا.
وقرأ عليّ (١) ـ رضي الله عنه ـ وأبو السّمّال : جؤار بالجيم والهمز ، وهو الصّوت الشديد.
فصل
قال ابن عبّاس والحسن وقتادة وجماهير أهل التفسير : كان لبني إسرائيل عبيد يتزيّنون فيه ويستعيرون من القبط الحلي ، فاستعاروا حلي القبط لذلك اليوم ، فلمّا أغرق الله القبط بقي ذلك الحلي في أيدي بني إسرائيل ، فجمع السّامريّ تلك الحلي ، واسمه موسى بن ظفر ، من قرية يقال لها سامرة ، وكان رجلا مطاعا فيهم ، وكانوا قد سألوا موسى ـ عليهالسلام ـ أن يجعل لهم إلها يعبدونه ، فصاغ السّامري لهم من ذلك الحليّ عجلا ، وألقى في فمه من تراب أثر فرس جبريل ؛ فتحول عجلا جسدا حيّا لحما ودما له خوار.
وقيل : كان جسدا مجسّدا من ذهب لا روح فيه ، كان يسمع منه صوت الرّيح يدخل في جوفه ويخرج (٢).
قال أكثر المفسّرين من المعتزلة : إنّه جعل ذلك العجل مجوفا ، وجعل في جوفه أنابيب على شكل مخصوص.
وكان قد وضع ذلك التمثال في مهبّ الرّيح ، فكانت تدخل في تلك الأنابيب فيظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل.
وقال آخرون : إنّه جعل ذلك التمثال أجوف ، وجعل تحته في الموضع الذي نصب فيه العجل من ينفخ فيه من حيث لا يشعر به النّاس ، فيسمعوا الصوت من جوفه كالخوار ، كما يفعلون الآن في هذه التّصاوير التي يجرون فيها الماء كالفوارات وغيرها.
قيل : إنّه ما خار إلّا مرة واحدة ، وقيل : كان يخور كثيرا كلّما خار سجدوا له وإذا
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ١٦٠ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٩٠ ، والدر المصون ٣ / ٣٤٤.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ٦).