الوجه الثالث : أنّ المفعول الثّاني محذوف ، تقديره : أورثناهم الأرض ، أو الملك ، أو نحوه ويستضعفون يجوز أن يكون على بابه من الطّلب ، أي : يطلب منهم الضّعف مجازا وأن يكون استفعل بمعنى : وجده ذا كذا ، والمراد بالأرض : أرض الشّام.
وقيل : أرض مصر ، لأنها أرض القبط.
وقيل : مصر والشّام ، ومشارقها ، ومغاربها جهات المشرق ، والمغرب (الَّتِي بارَكْنا فِيها) بإخراج الزّرع ، والثّمار ، والأنهار.
وقيل : المراد جملة الأرض ؛ لأنّه خرج من بني إسرائيل داود وسليمان وقد ملكا الأرض.
قوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى). قرأ الحسن (١) ورويت عن أبي عمرو وعاصم كلمات بالجمع.
قال الزمخشريّ : ونظيره : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) [النجم : ١٨]. يعني في كون الجمع وصف بمفرد.
قال أبو حيّان : ولا يتعيّن في الكبرى ما ذكر لجواز أن يكون التقدير : لقد رأى الآية الكبرى ، فهو وصف مفرد لا جمع ، وهو أبلغ.
قال شهاب الدّين (٢) : في بعض الأماكن يتعيّن ما ذكره الزمخشريّ نحو (مَآرِبُ أُخْرى) [طه : ١٨] وهذه الآية ، فلذلك اختار فيها ما يتعيّن في غيرها والمراد بالكلمة الحسنى : قوله (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٥] إلى قوله (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص : ٦] والحسنى : تأنيث الأحسن صفة للكلمة.
وقيل : معنى تمام الكلمة : إنجاز الوعد الذي تقدّم بإهلاك عدوهم. ومعنى : «تمّت» أي : مضت واستمرّت من قولهم : تمّ عليه الأمر إذا مضى عليه.
قوله بما صبروا متعلّق ب «تمّت» والباء للسببيّة ، و «ما» مصدرية ، أي : بسبب صبرهم ومتعلّق الصّبر محذوف أي : على أذى فرعون وقومه.
قوله : (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ). يجوز ههنا أوجه : أحدها : أن يكون فرعون اسم كان ، ويصنع خبر مقدم ، والجملة الكونيّة صلة «ما» والعائد محذوف ، والتقدير ودمّرنا الذي كان فرعون يصنعه ، واستضعف أبو البقاء هذا الوجه.
فقال : لأنّ يصنع يصلح أن يعمل في فرعون فلا يقدّر تأخيره ، كما لا يقدّر تأخير الفعل في قولك : قام زيد. يعني : أنّ قولك : «قام زيد» يجب أن يكون من باب الفعل والفاعل ، ولا يجوز أن يدّعى فيه أنّ «قام» فعل وفاعل ، والجملة خبر مقدم ، وزيد : مبتدأ
__________________
(١) ينظر : الشواذ ٤٥ ، الدر المصون ٣ / ٣٣٣.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣٣٣.