وأراد به الكشف ، إلا أنه لم يرد به كشف الضر لئلّا يلزم التكرار ، بل أراد به مطلق الكشف الذي هو الإزالة ، يعني فلا يستطيعون كشف الضر عنكم ولا كشفا ما ، ولهذا لم يقل ولا تحويله. وهذا الجواب مما فتح الله عليّ به من خزائن جوده ، ونظيره ما ذكرناه في سورة النحل في قوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ) [النحل : ٧٣].
[٦٠٠] فإن قيل : قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) [الإسراء : ٥٩] الآية فيها أسئلة : أولها : أنّ الله تعالى لا يمنعه عما يريده مانع ، فإن أراد إرسال الآيات فكيف يمنعه تكذيب الأمم الماضية؟ وإن لم يرد إرسالها كان وجود تكذيبهم وعدمه سواء. وكان عدم الإرسال لعدم الإرادة.
الثاني : أن الإرسال يتعدى بنفسه ، قال الله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) [نوح : ١] فأيّ حاجة إلى الباء؟
الثالث : أن المراد بالآيات هنا ما اقترحه أهل مكة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم من جعل الصفا ذهبا ، وإزالة جبال مكة ليتمكنوا من الزراعة ، وإنزال مكتوب من السماء ونحو ذلك ، وهذه الآيات ما أرسلت إلى الأولين ولا شاهدوها فكيف كذبوا بها؟
الرابع : أن تكذيب الأولين لا يمنع إرسالها إلى الآخرين لجواز أن لا يكذب الآخرون.
الخامس : أيّ مناسبة وارتباط بين صدر الآية وقوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً)؟
السادس : ما معنى وصف الناقة بالإبصار؟
السابع : أن الظلم يتعدى بنفسه ؛ قال الله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) [النساء : ١١٠] ، فأيّ حاجة إلى الياء ؛ وهلّا قال فظلموها يعني العقر والقتل؟
الثامن : أن قوله تعالى : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) [الإسراء : ٥٩] يدل على الإرسال بها ، وقوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) [الإسراء : ٥٩] يدل على عدم الإرسال بها؟
قلنا : الجواب عن الأوّل : أن المنع مجاز عبر به عن ترك الإرسال بالآيات ، كأنه تعالى قال : وما كان سبب ترك الإرسال بالآيات إلا أن كذب بها الأولون.
وعن الثاني : أن الباء لتعدية الإرسال إلى المرسل به لا إلى المرسل ، لأن المرسل محذوف وهو الرسول ، تقديره : وما منعنا أن نرسل الرسل بالآيات ، والإرسال يتعدى إلى