الثاني
: أن المحسن من
الناس وإن تناهى في إحسانه لا يخلو عن إساءة بينه وبين الله تعالى ، أو بينه وبين
الناس ، لكنه إذا أحسن باجتناب الكبائر غفر الله له صغائر سيئاته ورحمه ، كما قال
تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا
كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) [النساء : ٣١] [٤٠٦] فإن قيل : قوله تعالى : (فَسَيَرَى اللهُ
عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) [التوبة : ١٠٥] أي
سيعلم ؛ لأن السين للاستقبال ، والرؤية من الله تعالى بمعنى العلم ، والله تعالى
عالم بعملهم حالا ومآلا؟
قلنا
: معناه في حقّ
الله أنه سيعلمه واقعا موجودا كما علمه غيبا ؛ لأن الله تعالى يعلم كل شيء على ما
هو عليه ، فيعلم المنتظر منتظرا ويعلم الواقع واقعا ، وأما في حق الرسول عليه
الصلاة والسلام فهو على ظاهره.
[٤٠٧] فإن قيل : إن الله تعالى قد وصف العرب بالجهل في القرآن
بقوله تعالى : (وَأَجْدَرُ أَلَّا
يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) [التوبة : ٩٧]
فكيف يصح الاحتجاج بألفاظهم وأشعارهم على كتاب الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم؟
قلنا
: هذا وصف من الله
لهم بالجهل في أحكام القرآن لا في ألفاظه ، ونحن لا نحتج بلغتهم في بيان الأحكام ؛
بل نحتج بلغتهم في بيان معاني الألفاظ ؛ لأن القرآن والسنة جاءا بلغتهم.
[٤٠٨] فإن قيل : كيف قال تعالى في صفة المنافقين : (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا
تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) [التوبة : ١٠١]
وقال في موضع آخر (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ
فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [محمد : ٣٠]؟
قلنا
: هذه الآية نزلت
قبل تلك الآية فلا تناقض ؛ لأنه نفى علمه لهم في زمان ثم أثبته بعد ذلك في زمان
آخر.
[٤٠٦] فإن قيل : قوله تعالى : (خَلَطُوا عَمَلاً
صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) [التوبة : ١٠٢] قد
جعل كل واحد منهما مخلوطا فأين المخلوط به؟
قلنا
: كل واحد مخلوط
ومخلوط به ؛ لأن معناه : خلطوا كل واحد منهما بالآخر كقولك : خلطت الماء واللبن ،
تريد خلطت كل واحد منهما بصاحبه ، وفيه من المبالغة ما ليس في قولك : خلطت الماء
باللبن ، لأنك بالباء جعلت الماء مخلوطا واللبن مخلوطا به ، وبالواو جعلت الماء
واللبن مخلوطين ومخلوطا بهما ، كأنك قلت : خلطت الماء باللبن واللبن بالماء ؛
ويجوز أن تكون الواو بمعنى الباء كقولهم : بعت شاة ودرهما ، يعنون شاة بدرهم.
[٤١٠] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَالنَّاهُونَ عَنِ
الْمُنْكَرِ) [التوبة : ١١٢]
بالواو وما قبلها من الصفات بغير واو؟