والثاني : الصبر على الشدائد فهو يشملهما وتقدم الكلام على المراد بالصلاة.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
فالمعيّة على قسمين :
أحدهما : معيّة عامة ، وهي المعيّة بالعلم والقدرة ، وهذه عامة في حق كل أحد.
والثاني : معيّة خاصة وهي المعيّة بالعون والنصر ، وهذه خاصة بالمتقين والمحسنين والصابرين ، ولهذا قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل : ١٢٨] وقال هاهنا : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) أي : بالعون والصبر.
قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ)(١٥٤)
قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت الآية في قتلى «بدر» ، وقتل من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلا : ستة من المهاجرين ، وثمانية من الأنصار.
فمن المهاجرين : عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب ، وعمرو بن أبي وقاص ، وذو الشمالين ، وعمرو بن نفيلة ، وعامر بن بكر ، ومهجع بن عبد الله ، ومن الأنصار : سعيد بن خيثمة ، وقيس بن عبد المنذر ، وزيد بن الحرث ، وتميم بن الهمام ، ورافع بن المعلى ، وحارثة بن سراقة ، ومعوذ بن عفراء ، وعوف بن عفراء رضوان الله تعالى عليهم وكانوا يقولون : مات فلان ومات فلان ، فنهى الله ـ تعالى ـ أن يقال فيهم : إنهم ماتوا. وقال بعضهم : إن الكفار والمنافقين قالوا : إنّ الناس يقتلون أنفسهم طلبا لمرضاة محمد من غير فائدة فنزلت هذه الآية.
فصل في المراد بحياة الشهداء
اختلفوا في هذه الحياة.
فقال أكثر المفسرين : إنهم في القبر أحياء كأن الله تعالى أحياهم لإيصال الثواب إليهم ، وهذا دليل على أن المطيعين يصل ثوابهم إليهم وهم في القبور.
فإن قيل : نحن نشاهد أجسادهم ميتة في القبور ، فكيف يصح ما ذهبتم إليه؟
فالجواب : قال ابن الخطيب : أما عندنا فالبنية ليست شرطا في الحياة ، ولا امتناع في أن يعيد الله الحياة إلى كلّ واحد من تلك الذّرات والأجزاء الصغيرة من غير حاجة إلى التركيب والتأليف.
وأما عند المعتزلة فلا يبعد أن يعيد الله الحياة إلى الأجزاء التي لا بدّ منها في ماهية الحي ، ولا يعتبر بالأطراف.
ويحتمل أيضا أن يحييهم إذا لم يشاهدوا.
وقال الأصم : يعني لا تسمّوهم بالموتى ، وقولوا لهم : الشهداء الأحياء ، ويحتمل أن المشركين قالوا : هم أموات في الدين كما قال تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)