وقال الشّافعيّ ـ رحمهالله ـ : كلّ من كان وطنه من مكّة على أقلّ من مسافة القصر ، فهو من حاضري المسجد الحرام (١).
وقال عكرمة : من كان دون الميقات (٢).
وقيل هم أهل الميقات فما دونه ، وهو قول أصحاب الرّأي (٣).
وقال طاوس : الحرم كلّه (٤) ، وهو قول الشّافعيّ ، وأحمد لقوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء : ١] وإنما أسرى به من الحرم من بيت أمّ هانىء لا من المسجد ، وقال (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج : ٣٣] ، والمراد الحرم ؛ لأن الدّماء لا تراق في البيت ، والمسجد الحرام إنّما وصف بهذا ؛ لأنّ أصل الحرام المنع ، والمحرم : ممنوع من المكاسب ، والمسجد الحرام ممنوع أن يفعل فيه ما منع من فعله.
قال الفرّاء (٥) : يقال حرام ، وحرم مثل : زمان وزمن ، وذكر حضور الأهل ، والمراد حضور المحرم ، لا حضور الأهل ، لأنّ الغالب على الرّجل أنّه يسكن حيث أهله ساكنون فلو خرج المكيّ إلى الآفاق ، وأهله بمكّة ، ثمّ عاد متمتعا ؛ لزمه هدي التمتع ، ولا أثر لحضور أهله في المسجد الحرام.
وقيل المراد بقوله (لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ) ، أي يكون أهلا لهذه العبادة.
فصل
ودم القران كدم التّمتّع ، فالمكيّ إذا قرن ، أو تمتع ، فلا هدي عليه.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ قوله : يريد فيما فرضه عليكم (٦) ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن تهاون بحدوده.
وقال أبو مسلم (٧) : العقاب والمعاقبة سيّان ، وهو مجازاة المسيء على إساءته ، وهو مشتقّ من العاقبة ، كأنّه يراد عاقبة فعل المسيء ، كقول القائل : لتذوقن ما ذوّقت ، و «شديد العقاب» من باب إضافة الصّفة المشبّهة إلى مرفوعها ، وقد تقدّم أنّ الإضافة لا تكون إلا من نصب ، والنّصب والإضافة أبلغ من الرّفع ؛ لأنّ فيها إسناد الصّفة للموصوف ، ثم ذكر من هي له حقيقة ، والرّفع إنّما فيه إسنادها ، دون إسناد إلى موصوف لمن هي له حقيقة.
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧١.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧١.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧١.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧١.
(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٣٦.
(٦) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٣٦.
(٧) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٣٦.