وقد يكون مندوبا ؛ مثل : الوفاء بالعهد في بذل المال ، والإخلاص في المناصرة.
فقوله (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) يتناول كل هذه الأقسام ؛ فلا تقتصر الآية على بعضها ، وهذا هو الذي عبر عنه المفسّرون ، فقالوا : هم الذين إذا وعدوا ، إنجزوا ، وإذا حلفوا ونذروا ، وفّوا ، وإذا قالوا ، صدقوا ، وإذا ائتمنوا ، أدّوا.
فصل في بلاغة قوله «والموفون» دون «وأوفى»
قال الرّاغب : وإنّما لم يقل «وأوفى» ؛ كما قال «وأقام» ؛ لأمرين :
أحدهما : اللفظ ، وهو أن الصّلة ، متى طالت ، كان الأحسن أن يعطف على الموصول ، دون الصلة ؛ لئلّا يطول ويقبح.
والثاني : أنّه ذكر في الأول ما هو داخل في حيّز الشريعة ، وغير مستفاد إلا منها والحكمة العقليّة تقتضي العدالة دون الجور ، ولما ذكر وفاء العهد ، وهو مما تقضي به العقول المجرّدة ، صار عطفه على الأوّل أحسن ، ولما كان الصّبر من وجه مبدأ الفضائل ، ومن وجه : جامعا للفضائل ؛ إذ لا فضيلة إلا وللصّبر فيها أثر بليغ ـ غيّر إعرابه تنبيها على هذا المقصد ؛ وهذا كلام حسن.
وحكى الزّمخشريّ (١) قراءة «والموفين» ، «والصّابرين» وقرأ الحسن (٢) ، والأعمش ، ويعقوب : «والموفون» ، «والصّابرون».
__________________
ـ وأنشد الأزهري : أنا كفيلك رهن بالرضا ، أي : أنا كفيل لك «ويدي لك رهن» يريدون به : الكفالة ؛ وأنشد ابن الأعرابي :
والمرء مرهون فمن لا يخترم |
|
بعاجل الحتف بعاجل بالهرم |
فتبين مما ذكر ملخّصا من كتب اللغة والفقه : أن الرهن يطلق على العين المرهونة ، وعلى الحبس ، والاحتباس ، والدوام ، والكفالة ، وقد استعمله الفقهاء في العقد المخصوص ، وهو مناسب للمعاني جميعها ؛ إذ المرهون محبوس أو محتبس بدين المرتهن ، ودائم تحت يده ؛ ليستوفي منه ، وكفيل بدينه.
وقد عرّفه الفقهاء تعاريف مختلفة باختلاف المذاهب :
فعرّفه الحنفية بأنه : جعل الشيء محبوسا بحق يمكن استيفاؤه من الرهن ؛ كالدّيون.
وعرّفه الشافعية بأنه : جعل عين مال متمولة وثيقة بدين ؛ ليستوفى منها عند تعذّر وفائه.
وعرّفه المالكية بأنه : مال قبضه توثّقا به في دين.
وعرفه الحنابلة بأنه : المال الذي يجعله وثيقة بالدين ؛ ليستوفى من ثمنه إن تعذّر استيفاؤه من ذمّة الغريم.
ينظر : لسان العرب : ٣ / ١٧٥٧ ـ ١٧٥٨ ، المصباح المنير : ١ / ٣٣٠ ، الصحاح : ٥ / ٢١٢٨ ، المغرب: ١ / ٣٥٦ ، تكملة فتح القدير : ١ / ١٣٥ ، مجمع الأنهر : ٢ / ٥٨٤ ، حاشية الشرقاوي على شرح التحرير : ٢ / ١٠٩ ، مغني المحتاج : ٢ / ١٢١ ، حاشية الدسوقي : ٣ / ٢٣١ ، أسهل المدارك : ٢ / ٢٦٦ ، الإقناع في فقه الحنابلة : ٢ / ١٥٠ ، المغني لابن قدامة : ٤ / ٣٦١.
(١) انظر : الكشاف ١ / ٢٢٠ ، ونسبها ابن عطية ١ / ٢٤٤ إلى مصحف عبد الله بن مسعود ، وانظر : البحر المحيط ٢ / ٩ ، والدر المصون ١ / ٤٤٩.
(٢) انظر : الشواذ ١١ ، والمحرر الوجيز ١ / ٢٤٤ ، والبحر المحيط ٢ / ١٠ ، والدر المصون ١ / ٤٤٩.