١٠٣٤ ـ .......... |
|
واسأل بمصقلة البكريّ ما فعلا (١) |
وإنما علّق السؤال ، وإن لم يكن من أفعال القلوب ؛ قالوا : لأنه سبب للعلم ، والعلم يعلّق ، فكذلك سببه ، وإذا كانوا قد أجروا نقيضه في التعليق مجراه في قوله : [الطويل]
١٠٣٥ ـ ومن أنتم إنّا نسينا من أنتم |
|
وريحكم من أيّ ريح الأعاصر (٢) |
فإجراؤهم سببه مجراه أولى.
واختلف النحاة في «كم» : هل بسيطة ، أو مركبة من كاف التّشبيه وما الاستفهامية ، حذفت ألفها ؛ لانجرارها ، ثم سكنت ميمها ، كما سكّنت ميم «لم» من «لم فعلت كذا» في بعض اللغات ، فركّبتا تركيبا لازما؟ والصحيح الأول. وأكثر ما تجيء في القرآن خبريّة مرادا بها التكثير ، ولم يأت مميّزها في القرآن إلا مجرورا بمن.
قال أبو مسلم : في الآية حذف ، والتّقدير : كم آتيناهم من آية بيّنة ، وكفروا بها ، ويدلّ على هذا الإضمار قوله : (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ).
فصل
اعلم أنّه ليس المقصود اسأل بني إسرائيل ليخبروك عن تلك الآيات لتعلمها ؛ لأنه ـ عليهالسلام ـ كان عالما بها بإعلام الله له ، وإنما المقصود المبالغة في الزّجر عن الإعراض عن دلائل الله تعالى ، فهو سؤال على جهة التّقريع والتّوبيخ ؛ لأنه أمر بالإسلام ، ونهى عن الكفر بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) [البقرة : ٢٠٨] ثم قال : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ) [البقرة : ٢٠٩] أي : أعرضتم عن هذا التكليف صرتم مستحقين للتهديد ، بقوله : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة : ٢٠٩] ، ثم هدّدهم بقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) [البقرة : ٢١٠] ، ثم ثلّث التهديد بقوله : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) يعني هؤلاء الحاضرين كم آتينا أسلافهم آيات بينات فأنكروها ، فلا جرم استوجبوا العقاب ، وهذا تنبيه لهؤلاء الحاضرين على أنهم لو زلّوا عن آيات الله ، لوقعوا في العذاب.
وفي المراد ب «الآية البيّنة» قولان :
__________________
(١) عجز بيت للأخطل وصدره :
دع المغمر لا تسأل بمصرعه
ينظر : ديوانه (١٥٧) ، الكتاب ٢ / ٢٩٩ ، وأدب الكاتب ص ٥٠٩ ، واللسان (صقل) وخزانة الأدب ٩ / ١٣٠ ، والمعاني ص ١٢٠٨ ، والدر المصون ١ / ٥١٦.
(٢) تقدم برقم ٤٥٢.