ونظير هذا أنّه ورد في القرآن الكريم سورتان : أوّلهما (يا أَيُّهَا النَّاسُ) فالأولى : هي السّورة الرابعة من النّصف الأوّل ؛ فإن الأولى هي «الفاتحة» ثم «البقرة» ثم «آل عمران» ثم «النّساء» وهي مشتملة على شرح المبدأ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) [النساء : ١] والسّورة الثّانية : هي الرابعة أيضا من النّصف الثاني ؛ فإن أوله «مريم» ثم «طه» ثم «الأنبياء» ثم «الحجّ» وهذه مشتملة على شرح الميعاد (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) [الحج : ١] فسبحان من له في هذا القرآن أسرار خفيّة ، وحكم مطويّة [لا يعرفها إلّا الخواصّ من عبيده].
فصل في اختلافهم في السائل عن الأهلّة
روي عن معاذ بن جبل ، وثعلبة بن غنم الأنصاريين قالا : يا رسول الله ، ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ، ثمّ يزيد ؛ حتّى يمتلىء ويستوي ، ثمّ لا يزال ينقص حتّى يعود كما بدأ ، لا يكون على حالة واحدة ؛ كالشّمس ، فنزلت هذه الآية (١).
وروي أنّ معاذ بن جبل قال : إنّ اليهود سألوه (٢) عن الأهلّة.
واعلم أنّ قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) ليس فيه بيان أنّهم عن أيّ شيء سألوا ، إلّا أنّ الجواب كالدّالّ على موضع السّؤال ؛ لأنّه قوله : (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) يدلّ على أنّ سؤالهم كان على وجه الفائدة والحكمة في تغيّر حال الأهلّة في الزيادة والنّقصان.
قوله تعالى : (عَنِ الْأَهِلَّةِ :) متعلّق بالسؤال قبله ، يقال : «سأل به وعنه» بمعنى ، والضمير في «يسألونك» ضمير جماعة.
فإن كانت القصّة كما روي عن معاذ : أنّ اليهود سألوه ، فلا كلام ، وإن كانت القصّة أنّ السائل اثنان ؛ كما روي أن معاذ بن جبل ، وثعلبة بن غنم ، سألوا ، فيحتمل ذلك وجهين :
أحدهما : أن يقال : إن أقلّ الجمع اثنان.
والثاني : من نسبة الشيء إلى جمع ، وإن لم يصدر إلّا من واحد منهم أو اثنين ، وهو كثير في كلامهم.
فصل
قال الزّجّاج ـ رحمهالله ـ : «هلال» يجمع في أقلّ العدد على «أفعلة» نحو : مثال
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٦٧) وقال : وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عباس فذكره. وذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٥ / ١٠٢ ـ ١٠٣).
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٠٣.