وقال الأوزاعي : يتصدّق إن ترك حصاة ، وقال الثّوري : يطعم في الحصاة والحصاتين والثلاث ، فإن ترك أربعا فعليه دم ، وقال اللّيث : في الحصاة الواحدة دم ، نقله القرطبي.
فصل
قال القرطبي ـ رحمهالله تعالى ـ : من بقي في يده حصاة لا يدري من أيّ الجمار هي ، جعلها في الأولى ورمى بعدها الوسطى والآخرة ، فإن طال ، استأنف جميعا.
قوله : «لمن اتّقى» هذا الجارّ خبر مبتدأ محذوف ، واختلفوا في ذلك المبتدأ حسب اختلافهم في تعلّق هذا الجار من جهة المعنى ، لا الصناعة ، فقيل : يتعلّق من جهة المعنى بقوله : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) فتقدّر له ما يليق به ، أي : انتفاء الإثم لمن اتّقى ، وقيل : متعلّق بقوله : «واذكروا» أي : الذكر لمن اتقى ، وقيل : متعلّق بقوله : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، أي : المغفرة لمن اتّقى ، وقيل : التقدير : السلامة لمن اتّقى ، وقيل : التقدير : ذلك التخيير ونفي الإثم عن المستعجل والمتأخّر ؛ لأجل الحاجّ المتّقي ؛ لئلّا يتخالج في قلبه شيء منهما ، فيحسب أنّ أحدهما يرهق صاحبه إثما في الإقدام عليه ؛ لأنّ ذا التقوى حذر متحرز من كل ما يريبه ، وقيل : التقدير : ذلك الذي مرّ ذكره من أحكام الحج وغيره لمن اتقى ؛ لأنه هو المنتفع به دون غيره ، كقوله : (ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) [الروم : ٣٨] ، قال هذين التقديرين الزمخشريّ ، وقال أبو البقاء (١) : «تقديره : جواز التعجيل والتأخير لمن اتقى» ، وكلّها متقاربة ، ويجوز أن يكون (لِمَنِ اتَّقى) في محلّ نصب على أن اللام لام التعليل ، ويتعلّق بقوله (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) أي : انتفى الإثم ؛ لأجل المتّقي ، ومفعول : «اتّقى» محذوف ، أي : اتّقى الله ، وقد جاء مصرّحا به في مصحف عبد الله ، وقيل : اتّقى الصّيد.
فصل
في هذه التّقوى وجوه :
أحدها : قال أبو العالية (٢) : ذهب أئمة أن «اتّقى» فيما بقي من عمره ، ولا يتّكل على ما سلف من أعمال الحجّ.
وثانيها : أنّ هذه المغفرة لا تحصل إلّا لمن كان متّقيا قبل حجّة ؛ كقوله : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة : ٢٧] ؛ لأن المصرّ على الذّنب لا ينفعه حجّه ، وإن كان قد أدّى الفرض في الظّاهر.
وثالثها : أنّه المتّقي عن جميع المحظورات حال اشتغاله بالحجّ ؛ لقوله عليهالسلام : «من حجّ فلم يرفث ولم يفسق ...».
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٨٨.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧٩.