١٨٥] ناسخا للتخيير مع اتصاله بالمنسوخ وذلك لا يصحّ.
والجواب : أنّ الاتّصال في التّلاوة لا يوجب الاتّصال في النّزول ؛ وهذا كما قيل في عدّة المتوفّى عنها زوجها ؛ أنّ المقدّم في التلاوة هو النّاسخ والمنسوخ متأخّر ، وهذا عكس ما يجب أن يكون عليه حال النّاسخ والمنسوخ ، فقالوا : إنّ ذلك في التّلاوة ، أمّا في الإنزال ، فكان الاعتداد بالحول هو المتقدّم ، والآية الدّالّة على أربعة أشهر وعشر هي المتأخّرة ، وكذلك في القرآن آيات كثيرة مكّيّة متأخّرة في التّلاوة عن الآيات المدنيّة ، والله أعلم.
فصل في أول ما نسخ بعد الهجرة
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ أوّل ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة والصّوم ، ويقال نزل صوم شهر رمضان قبل بدر بشهر وأيام ، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهليّة ، وكان رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يصومه في الجاهليّة فلمّا قدم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ المدينة ، صامه ، وأمر بصيامه ، فلمّا فرض رمضان كان هو الفريضة ، وترك يوم عاشوراء ، فمن شاء صامه ، ومن شاء تركه (١).
فصل في المراد بقوله «معدودات»
في قوله تعالى : (مَعْدُوداتٍ) وجهان :
أحدهما : أنها مقدّرات بعدد معلوم.
والثاني : قلائل ؛ كقوله تعالى : (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) [يوسف : ٢٠].
وقوله : (فَمَنْ كانَ [مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
فالمراد أنّ فرض الصّوم في الأيّام المعدودات ، إنما يلزم الأصحّاء المقيمين ، فأمّا من كان](٢) مسافرا ، أو مريضا ، فله تأخير الصّوم عن هذه الأيّام إلى أيّام أخر.
قال القفّال رحمهالله (٣) : انظروا إلى عجيب ما نبّه الله تعالى من سعة فضله ورحمته في هذا التّكليف ، وأنّه تعالى بيّن في أوّل الآية أن لهذه الأمّة في هذا التكليف أسوة بالأمم المتقدّمة ، والغرض منه ما ذكرناه من أنّ الأمر الشّاقّ ، إذا عمّ خفّ ، ثم بيّن ثانيا وجه الحكمة في إيجاب الصّوم ، وهو أنّه سبب لحصول التّقوى ، ثمّ بيّن ثالثا : أنّه
__________________
(١) أخرجه البخاري (٣ / ٩٥) كتاب الصوم باب صيام يوم عاشوراء (٢٠٠٢) و (٦ / ٥٤) كتاب التفسير باب تفسير سورة البقرة (٤٥٠٤) ومسلم كتاب الصوم باب ١٩ ، رقم (١١٨) وأبو داود (١ / ٤٧٢) كتاب الصيام باب في صوم يوم عاشوراء (٢٤٤٢).
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٦٣.