فصل
اختلفوا في المراد من الرّجوع ، فقيل : هو الرّجوع إلى الأهل والوطن وقال أبو حنيفة المراد من الرّجوع : هو الفراغ من أعمال الحجّ ، والأخذ في الرّجوع ، ويتفرّع عليه أنّه لو صام السّبعة بعد الفراغ من الحجّ ، وقبل الوصول إلى بيته ، لا تجزيه على الأوّل.
وعن أبي حنيفة : تجزيه.
حجّة الأوّل : أنّه تعالى جعل الرّجوع إلى الوطن شرطا ، وما لم يوجد الشّرط لم يوجد المشروط ، ويؤكّد ذلك أنّه لو مات قبل وصوله إلى الوطن ، لم يلزمه شيء. وروى ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ قال : «لمّا قدمنا مكّة المشرفة قال النّبيّ ـ عليهالسلام ـ اجعلوا إهلالكم بالحجّ عمرة إلّا من قلّد الهدي. فطفنا بالبيت ، وبالصّفا ، والمروة ، وأتينا النّساء ، ولبسنا الثّياب ، ثمّ أمرنا عشية التّروية أن نهلّ بالحجّ فإذا فرغنا قال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ عليكم الهدي ، فإن لم تجدوا ؛ فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ ، وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم» (١) ، وأيضا فإنّ الله ـ تعالى ـ أسقط صوم رمضان عن المسافر ، فصوم التّمتّع أخفّ شأنا منه.
وقوله : «تلك عشرة» مبتدأ وخبر ، والمشار إليه هي السّبعة والثّلاثة ، ومميّز السّبعة والعشرة محذوف للعلم به. وقد أثبت تاء التأنيث في العدد مع حذف التّمييز ، وهو أحسن الاستعمالين ، ويجوز إسقاط التّاء حينئذ ، وفي الحديث : «وأتبعه بستّ من شوّال» (٢) ، وحكى الكسائيّ : «صمنا من الشّهر خمسا».
وفي قوله : «تلك عشرة» ـ مع أنّ المعلوم أنّ الثّلاثة والسّبعة عشرة ـ أقوال كثيرة لأهل المعاني ، منها قول ابن عرفة : «إن العرب إذا ذكرت عددين ، فمذهبهم أن يجملوهما» ، وحسّن هذا القول الزّمخشري بأن قال : «فائدة الفذلكة في كلّ حساب : أن يعلم العدد جملة كما يعلم تفصيلا ، ليحتاط به من جهتين ، فيتأكّد العلم» ، وفي أمثالهم
__________________
(١) أخرجه البخاري (٢ / ٢٨٢) كتاب الحج باب : تفسير قول الله تعالى ذلك لمن لم يكن رقم (١٥٧٢) والبيهقي في «سننه» (٥ / ٢٣) والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٨٨ ـ ٣٨٩).
(٢) أخرجه مسلم (٣ / ١٦٩) كتاب الصيام باب استحباب صوم ستة أيام من شوال رقم (٢٠٤ ـ ١١٦٤) وأبو داود (٢ / ٣٢٤) رقم (٢٤٣٣) والترمذي (١ / ١٤٦) رقم (٧٥٩) وابن ماجه (١ / ٥٤٧) رقم (١٧١٦) والدارمي (٢ / ٢١) وابن أبي شيبة (٢ / ١٨) والطحاوي في «مشكل الآثار» (٣ / ١١٧ ـ ١١٩) والبيهقي (٤ / ٢٩٢) والطيالسي (٥٩٤) وأحمد (٥ / ٤١٧ ، ٤١٩) من طرق عن عمر بن ثابت الأنصاري عن أبي أيوب مرفوعا.
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (١٧١٥) والطحاوي (٣ / ١١٩ ، ١٢٠) وابن حبان (٩٢٨) ـ موارد ، والبيهقي (٤ / ٢٩٣) وأحمد (٥ / ٢٨٠) عن ثوبان مرفوعا وزاد من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها.