والدين ، كما نقله الرسول ـ عليهالسلام ـ وكذلك القولان في «على» الأخيرة ، بمعنى أن الشهادة لمعنى التزكية منه ـ عليهالسلام ـ لهم.
وإنما قدم متعلّق الشهادة آخرا ، وقدم أولا لوجهين :
أحدهما : وهو ما ذكره الزمخشري أن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم ، وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم.
والثاني : أن «شهيدا» أشبه بالفواصل والمقاطع من «عليكم» ، فكان قوله «شهيدا» تمام الجملة ، ومقطعها دون «عليكم» ، وهذا الوجه قاله الشيخ مختارا له رادّا على الزمخشري مذهبه من أن تقديم المفعول يشعر بالاختصاص ، وقد تقدم ذلك.
فصل في الكلام على الشهادة
اختلفوا في هذه الشهادة هل هي في الدنيا أو في الآخرة؟ فالقائل بأنها في الآخرة وهم الأكثرون لهم وجهان :
الأول : أن هذه الأمة تشهد للأنبياء على أممهم الذين يكذبونهم.
روي أن الأمم يجحدون تبليغ الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ فيطالب الله ـ تعالى ـ الأنبياء بالبيّنة على أنهم قد بلّغوا وهو أعلم ، فيؤتى بأمة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فيشهدون فتقول الأمم : من أين عرفتم فيقولون : علمنا ذلك بإخبار الله تعالى في كتابه النّاطق على لسان نبيه الصّادق ، فيؤتى بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فيسأل عن حال أمته ، فيزكيهم ويشهد بعدالتهم ، وذلك قوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء : ٤١] وقد طعن القاضي رحمهالله تعالى في هذه الرواية من وجوه :
أحدها : أن مدار هذه الرواية على أن الأمم يكذبون أنبياءهم ، وهذا بناء على أن أهل القيامة يكذبون.
وهذا باطل عند القاضي ، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في سورة «الأنعام» عند قوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) [الأنعام : ٢٣ ـ ٢٤].
وثانيها : أن شهادة الأمة ، وشهادة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ مستندة في الآخرة إلى شهادة الله ـ تعالى ـ على صدق الأنبياء ، وإذا كان كذلك ، فلم لم يشهد الله ـ تعالى ـ لهم بذلك ابتداء؟
والجواب : الحكمة في ذلك تمييز أمة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الفضل عن سائر الأمم بالمبادرة إلى تصديق الله ـ تعالى ـ وتصديق جميع الأنبياء ، والإيمان بهم جميعا ، فهم بالنسبة إلى سائر الأمم كالعدل بالنسبة إلى الفاسق.
وثالثها : أن مثل هذه الأخبار لا تسمّى شهادة ، وهذا ضعيف لقوله عليه الصلاة