و «ماريته» : جادلته وشاكلته فيما يدعيه ، و «افتعل» فيه بمعنى «تفاعل» ، يقال : تماروا في كذا ، وامتروا فيه نحو : تجاوروا ، واجتوروا.
وقال الراغب (١) : المرية : التردّد في الأمر ، وهي أخصّ من الشّك ، والامتراء والمماراة المحاجّة فيما فيه مرية ، وأصله من مريت النّاقة إذا مسحت ضرعها للحلب.
ففرق بين المرية والشّك كما ترى ، وهذا كما تقدم له الفرق بين الرّيب والشّك.
وأنشد الطبري قول الأعشى : [الطويل]
٨٣٩ ـ تدرّ على أسؤق الممتري |
|
ن ركضا إذا ما السّراب ارجحن (٢) |
شاهدا على أن الممترين الشاكون.
قال : ووهم في ذلك ؛ لأن أبا عبيدة وغيره قالوا : الممترون في البيت هم الذين يمرّون الخيل بأرجلهم همزا لتجري كأنهم يتحلبون الجري منها.
[فصل فيمن نزلت فيه الآية
قوله : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) قال الحسن : من الذين علموا صحة نبوتك وإن بعضهم عاندوكم (٣).
وقيل : بل يرجع إلى أمر القبلة.
وقيل : بل يرجع إلى صحة نبوته وشرعه ، وهو أقرب ؛ لأن أقرب مذكور إليه قوله : (مِنْ رَبِّكَ) ؛ وظاهره يقتضي النبوة ، فوجب أن يرجع إليه ، ونهيه عن الامتراء لا يدلّ على أنه كان شاكا فيه كما تقدم القول في هذه المسألة](٤).
قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٤٨)
جمهور القراء على تنوين «كلّ» ، وتنوينه للعوض من المضاف إليه ، والجار خبر مقدم ، و «وجهة» مبتدأ مؤخر.
واختلف في المضاف إليه «كل» المحذوف.
فقيل : تقديره : ولكل طائفة من أهل الأديان [يعني : أن الله يفعل ما يعلمه صلاحا ، فالجهات من الله تعالى وهو الذي ولّى وجوه عباده إليها فانقادوا لأمر الله تعالى ، فإن انقيادكم خيرات لكم ، ولا تلتفتوا إلى طعن هؤلاء ، وقولهم : «ما ولّاهم عن قبلتهم أي التي كانوا عليها» فإن الله يجمعهم وإياكم في القيامة](٥).
__________________
(١) ينظر المفردات : ٤٨٦.
(٢) تقدم برقم (٨٣٩).
(٣) انظر التفسير الكبير للفخر الرازي : (٤ / ١١٨).
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في ب.