بالشبهة يضعونها موضع الحجة [نظيره قوله : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) [النمل : ١٠ ـ ١١].
وقال : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣].
ويقال : ما له عليّ من حقّ إلّا التعدي ، أي : لكنه يتعدى](١).
ومثار الخلاف هو : هل الحجّة هي الدليل الصحيح ، أو الاحتجاج صحيحا كان أو فاسدا؟
فعلى الأولى يكون منقطعا ، وعلى الثاني يكون متصلا.
الثالث : وهو قول أبي عبيدة أن «إلا» بمعنى «الواو» العاطفة وجعل من ذلك قوله : [الوافر]
٨٤٣ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلّا الفرقدان (٢) |
يعني : والفرقدان.
وقول الآخر : [البسيط]
٨٤٤ ـ ما بالمدينة دار غير واحدة |
|
دار الخليفة إلّا دار مروانا (٣) |
تقدير ذلك عنده : «ولا الذين ظلموا ، والفرقدان ، ودار مروان» وقد خطأه النحاة في ذلك كالزجاج وغيره.
الرابع : أن «إلا» بمعنى بعد ، أي : بعد الذين ظلموا ، وجعل منه قول الله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) [الدخان : ٥٦].
وقوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) [النساء : ٢٢] تقديره : بعد الموتة ، وبعد ما قد سلف ، وهذا من أفسد الأقوال ، وأنكرها ، وإنما ذكرته لغرض التنبيه على ضعفه.
و «الذين» في محل نصب على الاستثناء على القولين اتّصالا وانقطاعا ، وأجاز قطرب أن يكون في موضع جرّ بدلا من ضمير الخطاب في «عليكم» ، والتقدير : لئلا تثبت حجّة للناس على غير الظالمين منهم ، وهم أنتم أيها المخاطبون بتولية وجوهكم إلى القبلة.
ونقل عنه أنه كان (٤) يقرأ : «إلّا على الذين» كأنه يكرر العامل في البدل على حدّ
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) تقدم.
(٣) البيت للفرزدق ينظر الكتاب : ٢ / ٣٤٠ ، وليس في ديوانه ، وتذكرة النحاة : ص ٥٩٦ ، والجنى الداني : ص ٥١٩ ، والمقتضب : ٤ / ٤٢٥ ، والدر المصون : ١ / ٤٠٨.
(٤) وذكرها أبو حيان عن قطرب.
انظر البحر المحيط : ١ / ٦١٥ ، والدر المصون : ١ / ٤٠٨.