ذلك ، فلو قال : الله م أعطني الحسنة في الدّنيا ، لكان ذلك جزما ، وقد بيّنّا أنّه غير جائز ، فلمّا ذكره على سبيل التّنكير ، كان المراد منه حسنة واحدة ، وهي التي توافق قضاءه وقدره ، وكان ذلك أحسن وأقرب إلى رعايته الأدب.
وقوله : «قنا» ممّا حذف منه فاؤه ولامه من وقى يقي وقاية ، أمّا حذف فائه ، فبالحمل على المضارع ؛ لوقوع الواو بين ياء وكسرة كما حذفت يقي ويشي مثل بعد ، هذا قول البصريّين ، وقال الكوفيّون : حذفت فرقا بين اللازم والمتعدّي.
قال محمّد بن زيد : وهذا خطأ ؛ لأن العرب تقول : ورم يرم ، فيحذفون الواو وأمّا حذف لامه ؛ فلأنّ الأمر جار مجرى المضارع المجزوم ، وجزمه بحذف حرف العلة ؛ فكذلك الأمر منه ، فوزن «قنا» حينئذ : عنا ، والأصل : اوقنا ، فلمّا حذفت الفاء استغني عن همزة الوصل ، فحذفت ، و «عذاب» مفعول ثان.
قوله تعالى : «أولئك» : مبتدأ و «لهم» خبر مقدم ، و «نصيب» مبتدأ ، وهذه الجملة خبر الأول ، ويجوز أن يكون «لهم» خبر «أولئك» ، و «نصيب» فاعل به ؛ لما تضمنّه من معنى الفعل لاعتماده ، والمشار إليه ب «أولئك» فيه قولان :
أظهرهما : أنهما الفريقان : طالب الدنيا وحدها وطالب الدنيا والآخرة ، وقيل : بل لطالب الدنيا والآخرة ؛ لأنه ـ تعالى ـ ذكر حكم الفريق الأوّل ؛ حيث قال : (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ).
قوله : (مِمَّا كَسَبُوا) متعلّق بمحذوف ؛ لأنه صفة ل «نصيب» ، فهو في محلّ رفع ، وفي «من» ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها للتبعيض ، أي : نصيب من جنس ما كسبوا.
والثاني : أنها للسببية ، أي : من أجل ما كسبوا.
والثالث : أنها للبيان.
فصل
قال ابن عبّاس في قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) : هو الرّجل يأخذ مالا يحجّ به من غيره ؛ فيكون له ثواب.
و «ما» يجوز فيها وجهان : أن تكون مصدرية ، أي : من كسبهم ؛ فلا تحتاج إلى عائد.
والثاني : أنها بمعنى «الّذي» ، فالعائد محذوف ؛ لاستكمال الشروط ، أي : من الذي كسبوه.
و «الكسب» : يطلق على ما يناله العبد بعمله ، بشرط أن يكون لجرّ منفعة ، أو دفع مضرّة.