الأول : أنّ المراد بهذه الإفاضة من عرفات.
قال المفسّرون (١) : كانت قريش وحلفاؤها وهم الحمس يقفون بالمزدلفة ، ويقولون : نحن أهل الله وقطّان حرمه ، فلا نخرج من الحرم ، ويستعظمون أن يقفوا مع النّاس بعرفات ، وسائر العرب كانوا يقفون بعرفات ، فإذا أفاض النّاس من عرفات ، أفاض الحمس من المزدلفة ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية الكريمة ، وأمرهم أن يقفوا بعرفات وأن يفيضوا منها كما يفعله سائر النّاس ، والمراد بالنّاس : العرب كلّهم غير الحمس.
وقال الكلبي (٢) : هم أهل اليمن وربيعة ، وروي أنّه ـ عليهالسلام ـ لمّا جعل أبا بكر أميرا في الحجّ ، أمره بإخراج النّاس إلى عرفات ، فلمّا ذهب مرّ على الحمس وتركهم ، فقالوا له : إلى أين وهذا مقام آبائك وقومك فلا تذهب ، فلم يلتفت إليهم ومضى بأمر رسول الله إلى عرفات ، ووقف بها وأمر سائر النّاس بالوقوف بها. وقال بعضهم : «أفيضوا» أمر عامّ لكلّ النّاس.
وقوله : (مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) المراد : إبراهيم وإسماعيل ـ عليهماالسلام ـ : فإنّ سنّتهما كانت الإفاضة من عرفات.
وقيل : المراد بالنّاس : النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ فإنّه روي أنّ النّبيّ ـ عليهالسلام ـ كان يقف في الجاهليّة بعرفة كسائر النّاس ويخالف الحمس.
وقال الضّحّاك (٣) : النّاس ههنا إبراهيم وحده ، وإيقاع اسم الجمع على الواحد جائز إذا كان رئيسا يقتدى به ، وهو كقوله ـ تبارك وتعالى ـ : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) [آل عمران : ١٧٣] يعني به : نعيم ابن مسعود ، (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [آل عمران : ١٧٣] يعني أبا سفيان ، وهو مجاز مشهور ؛ ومنه قوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر : ١].
وقال القفّال (٤) : قوله : (مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) [عبارة عن تقادم الإفاضة من عرفات ، وأنّه هو الأمر القديم وما سواه فهو مبتدع محدث ؛ كما يقال : هذا ممّا فعله النّاس قديما.
وقال الزّهريّ (٥) : إنّ المراد من النّاس في هذه الآية : آدم ـ عليهالسلام ـ ؛ واحتج بقراءة سعيد بن جبير المتقدّمة.
القول الثاني ـ وهو اختيار الضحّاك ورجّحه الطّبري (٦) ـ : أنّ المراد بهذه الإفاضة ، هي الإفاضة من مزدلفة إلى منى يوم النّحر ، قبل طلوع الشمس للرّمي والنّحر.
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧٥.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧٦.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧٦.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٥٤.
(٥) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧٦.
(٦) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٥٤.