واعلم : أنّ الإنفاق هو صرف المال إلى وجوه المصالح ؛ فلذلك لا يقال في المضيّع : إنّه منفق ، وإذا قيّد الإنفاق بذكر «سبيل الله» ، فالمراد به في طريق الدّين ؛ لأنّ السّبيل هو الطريق ، وسبيل الله هو دينه ، فكلّ ما أمر الله تعالى به من الإنفاق في دينه ، فهو داخل في الآية الكريمة ، سواء كان في حجّ ، أو عمرة ، أو كان جهادا بالنّفس أو تجهيزا للغير أو كان إنفاقا في صلة الرّحم ، أو في الصّدقات ، أو على القتال ، أو في الزّكاة ، أو الكفّارة ، أو في عمارة السّبيل ، وغير ذلك ، إلّا أنّ الأقرب في هذه الآية الكريمة ذكر الجهاد ، فالمراد هاهنا الإنفاق في الجهاد ؛ لأنّ هذه الآية الكريمة ، إنّما نزلت وقت ذهاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم وشرّف ، وكرّم ، وبجّل ، وعظّم ـ لعمرة القضاء ، وكانت تلك العمرة لا بدّ من أن تفضي إلى القتال ، إن منعهم المشركون ، فكانت عمرة وجهادا ، فاجتمع فيها المعنيان ؛ فلا جرم ، قال تعالى (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ).
قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ).
في هذه الباء ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها زائدة في المفعول به ؛ لأن «ألقى» يتعدّى بنفسه ؛ قال تبارك وتعالى (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ) [الشعراء : ٤٥] ، وقال القائل : [الكامل]
٩٧٦ ـ حتّى إذا ألقت يدا في كافر |
|
وأجنّ عورات الثّغور ظلامها (١) |
فزيدت الباء في المفعول ، كما زيدت في قوله : [الطويل]
٩٧٧ ـ وألقى بكفّيه الفتى استكانة |
|
من الجوع وهنا ما يمرّ وما يحلو (٢) |
وهذا قول أبي عبيدة ، وإليه ميل الزمخشري ، قال : «والمعنى : ولا تقبضوا التهلكة أيديكم ، أي لا تجعلوها آخذة بأيديكم مالكة لكم» ، إلا أنه مردود بأنّ زيادة الباء في المفعول به لا تنقاس ، إنما جاءت في الضّرورة ؛ كقوله : [البسيط]
٩٧٨ ـ .......... |
|
سود المحاجر لا يقرأن بالسّور (٣) |
الثاني : أنها متعلقة بالفعل غير زائدة ، والمفعول محذوف ، تقديره : ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم ، ويكون معناها السّبب ؛ كقولك : لا تفسد حالك برأيك.
الثالث : أن يضمّن «ألقى» معنى ما يتعدّى بالباء ؛ فيعدّى تعديته ، فيكون المفعول به
__________________
(١) البيت للبيد. ينظر : ديوانه ٣١٦ ، والبحر المحيط ٢ / ٧٩ ، والدر المصون ١ / ٤٨٣.
(٢) البيت من شواهد البحر (٢ / ٧٩) الدر المصون (١ / ٤٨٣) ولم نعثر له على قائل إلا أن في ديوان زهير ٨٣ قوله:
وقد كنت من سلمى سنين ثمانيا |
|
على صير أمر ما يمرّ وما يحلو |
(٣) تقدم.