قال أبو حيّان (١) : وشرحه هذا على التحقيق متضادّ ؛ لأنه شرح «قد نرى» ب «ربّما نرى» ، و «ربّ» على مذهب المحققين إنما تكون لتقليل الشّيء في نفسه ، أو لتقليل نظيره.
ثمّ قال : «ومعناه كثرة الرّؤية» فهو مضادّ لمدلول «ربّ» على مذهب الجمهور.
ثم هذا الذي ادّعاه من كثرة الرؤية لا يدل عليه اللفظ ، لأنه لم توضع للكثرة «قد» مع المضارع ، سواء أريد به المضي أم لا ، وإنّما فهمت الكثرة من متعلّق الرؤية ، وهو التقلب.
قوله : «في السّماء» في متعلّق الجار ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه المصدر ، وهو «تقلّب» ، وفي «في» حينئذ وجهان :
أحدهما : أنها على بابها من الظرفية ، وهو الواضح.
والثّاني : أنها بمعنى : «إلى» أي : إلى السّماء ولا حاجة لذلك ، فإنّ هذا المصدر قد ثبت تعديه ب «في» ، قال تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) [آل عمران : ١٩٦].
والثاني من الأقوال : أنه «نرى» ، وحينئذ تكون «في» بمعنى «من» أي : قد نرى من السّماء ، وذكر السماء وإن كان تعالى لا يتحيّز في جهة على سبيل التشريف.
والثالث : أنه محل نصب على الحال من «وجهك» ذكره أبو البقاء ، فيتعلّق حينئذ بمحذوف ، والمصدر هنا مضاف إلى فاعله ، ولا يجوز أن يكون مضافا إلى منصوبه ؛ لأنه مصدر ذلك التقليب ، ولا حاجة إلى حذف ، ومن قوله : «وجهك» وهو بصر وجهك ؛ لأن ذلك لا يكاد يستعمل ، بل ذكر الوجه ؛ لأنه أشرف الأعضاء ، وهو الذي يقلبه السّائل في حاجته ، وقيل : كنى بالوجه عن البصر ؛ لأنه محلّه.
قوله : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً) «الفاء» هنا للتّسبّب وهو واضح ، وهذا جواب قسم محذوف ، أي : فو الله لنولّينّك ، و «نولّي» يتعدّى لاثنين : الأول الكاف ، والثّاني «قبلة» ، و «ترضاها» الجملة في محلّ نصب صفة ل «قبلة».
قال أبو حيّان (٢) : وهذا ؛ يعني : «فلنولّينك» يدلّ على أن الجملة السابقة محذوفة تقديره : قد نرى تقلّب وجهك في السّماء طالبا قبلة غير التي أنت مستقبلها.
__________________
ـ الداني : ص ٢٥٩ ، شرح المفصل : ٨ / ١٤٧ ، الكتاب : ٤ / ٢٢٤ ، لسان العرب (قدد) ، مغني اللبيب : ص ١٧٤ ، تذكرة النحاة : ص ٧٦ ، رصف المباني : ص ٣٩٣ ، شرح شواهد الإيضاح : ص ٢٢٠ ، المقتضب : ١ / ٤٣ ، همع الهوامع : ٢ / ٧٣ ، البحر : ١ / ٦٠٢ ، الدر المصون : ١ / ٣٩٧.
(١) ينظر البحر المحيط : ١ / ٦٠٢.
(٢) ينظر البحر المحيط : ١ / ٦٠٣.