«تطّيّقونه» بفتح الياء بناء للفاعل ، ومن ضمّها بناه للمفعول ، ويحتمل قراءة التشديد في الواو ، أو الياء أن تكون للتكلّف ، أي : يتكلّفون إطاقته وذلك مجاز من الطّوق الذي هو القلادة في أعناقهم ، وأبعد من زعم أنّ «لا» محذوفة قبل «ويطيقونه» ، وأنّ التقدير : لا يطيقونه ، ونظّره بقوله : [الطويل]
٩٣٥ ـ فخالف فلا والله تهبط تلعة |
|
من الأرض إلّا أنت للذّلّ عارف (١) |
وقوله : [الكامل]
٩٣٦ ـ آليت أمدح مغرما أبدا |
|
يبقى المديح ويذهب الرّفد (٢) |
وقوله : [الطويل]
٩٣٧ ـ فقلت : يمين الله أبرح قاعدا |
|
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي (٣) |
المعنى : لا تهبط ، ولا أمدح ، ولا أبرح ، وهذا ليس بشيء ؛ لأنّ حذفها ملتبس ، وأما الأبيات المذكورة ؛ فلدلالة القسم على النّفي.
والهاء في «يطيقونه» للصّوم ، وقيل : للفداء ؛ قاله الفراء (٤).
و «فدية» مبتدأ خبره في الجارّ والمجرور قبله ، والجمهور على تنوين «فدية» ورفع «طعام» وتوحيد «مسكين» وهشام كذلك إلّا أنه قرأ (٥) «مساكين» جمعا ، ونافع وابن ذكوان بإضافة «فدية» إلى «مساكين» جمعا ، فالقراءة الأولى يكون «طعاما» بدلا من «فدية» بيّن بهذا البدل المراد بالفدية ، وأجاز أبو البقاء (٦) ـ رحمهالله تعالى ـ أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي : «هي طعام» ، وأما إضافة الفدية للطّعام ، فمن باب إضافة الشيء إلى جنسه ، والمقصود به البيان ؛ كقولك : «خاتم حديد ، وثوب خزّ ، وباب ساج» لأنّ الفدية تكون طعاما وغيره ، وقال بعضهم : يجوز أن تكون هذه الإضافة من باب إضافة الموصوف إلى الصّفة ، قال : لأنّ الفدية لها ذات وصفتها أنّها طعام ، وهذا فاسد ؛ لأنّه : إمّا أن يريد ب «طعام» المصدر بمعنى الإطعام ؛ كالعطاء بمعنى الإعطاء ، أو يريد به المفعول ؛ وعلى كلا التّقديرين ، فلا يوصف به ؛ لأنّ المصدر لا يوصف عند المبالغة إلّا به وليست مرادة هنا ، والذي بمعنى المفعول ليس جاريا على فعل ، ولا ينقاس ، لا
__________________
(١) ينظر : شواهد الكتاب ٣ / ١٠٥ ، والدر المصون ١ / ٤٦٢.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٤٢ ، والدر المصون ١ / ٤٦٢.
(٣) البيت لامرىء القيس. ينظر : ديوانه (١٢٥) ، شواهد الكتاب ٣ / ٥٠٤ ، وأوضح المسالك ١ / ١٦٣ ، والخصائص ٢ / ٢٨٤ والدرر ٢ / ٤٢ ، والدر المصون ١ / ٤٦٢.
(٤) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ١١٢.
(٥) انظر قراءة نافع وابن ذكوان في : الكشف ١ / ٢٨٢ ، والسبعة ١٧٦ ، والحجة ٢ / ٢٧٣ ، وحجة القراءات ١٢٤ ، وشرح شعلة ٢٨٤ ، ٢٨٥ ، وشرح الطيبة ٤ / ٩١ ، وإتحاف ١ / ٤٣٠ ، والعنوان ٧٣.
(٦) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٨١.