ذلك قلقاً في الصَّنْعَةِ وانتكاثاً عن الحُجَّةِ ، المصير إليها المُعْتَزَمَة.
وعَلى ذلكَ قولُ اللهِ سبحانه : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) (١) فَلَو قَالَ مِن بَعْدُ : حَتَّى إذَا خَرَجَ مَنْ عِنْدِكَ لَمْ يَحْسُنْ وذَلِكَ لاَِ نَّهُ قَدْ تَرَكَ لَفْظَ (مَنْ) إلى مَعْنَاهَا بقولِهِ : يَستَمِعُونَ ، فَلَو عادَ إليه بَعْدَ انصِرَافِهِ عَنهُ قَالَ : خَرَجَ عادَ إلَى مَا كَانَ قَدْ رغِبَ عَنْهُ ، واعتزَم غَيْرَهُ عِوَضاً مِنْهُ. وكَذَلِكَ قولُ الفَرَزْدَقِ :
تَعَشَّ فَانْ عَاهَدْتَنِي لاَ تخونُني |
|
نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئبُ يَصطَحِبَانِ (٢) |
ولَو قَالَ بعدَ يَصْطَحِبانِ : فَلاَ تُنْكِر صُحْبَتَه ، أو فَلاَ تذمّ عشرته عوداً إلى لَفْظِ (مَنْ) وإفرَادِهِ لَكَانَ فيه مَا ذَكَرْنَا من كَرَاهِيتِهِ.
وأَعلَم أَنَّ مَفَادَ الاستعمَالِ في (كُلٍّ) أَنَّها إذا كَانَتْ مُفْردَةً أُخْبِرَ عَنْهَا بالجَمْعِ نَحو قَولِهِ تَعَالَى : (وكُلٌّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ) (٣) و (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (٤) ، (وَكُلٌّ أَتَوهُ دَاخِرِيِنَ) (٥) فِي قِرَاءَةِ الكافَةِ.
فَإنْ كَانَتْ مضافةً إلِى الجماعةِ أتى الخَبَرُ عَنْهَا مُفْرَداً كَقَولِهِ تَعَالَى : (وكُلُّهُمْ آتِيهِ يَومَ القِيَامَةِ فَرْداً) (٦) ، وذَلِكَ أَنَّ أحدَ عَلَمَي الجمع كاف عندَهُم من صَاحِبِهِ ، وابنِ على ذلكَ (٧).
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٤٢.
(٢) تقدَّم الشاهد في : ص : ١٣١.
(٣) سورة يس : ٣٦ / ٤٠.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ١١٦.
(٥) سورة النمل : ٢٧ / ٨٧.
(٦) سورة مريم : ١٩ / ٩٥.
(٧) المحتسب : ٢ / ١٤٦.