وقَولُهُ يَغْدُوا عَلَيك مُرَجّلِينَ بَدلٌ مِنْ قَولِهِ لاَ يَحفِلُوا (١).
وقَرَأَ الحَسَن : (ولاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ) (٢) جزماً.
قَالَ أَبو الفتح : أَمَّا الجزمُ فَيَحْتَمِلُ أَمرِينِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ بدلاً مِنْ قَولِهِ : (تَمْنُنْ) حَتَّى كَأَ نَّهُ قَالَ : لا تستكثرْ فَإنْ قَالَ : فعبرةُ البدل أَنْ يَصْلُحَ لإقامةَ الثانِي مقام الأَوّل ، نَحو ضربتُ أَخَاكَ زَيْداً ، فَكَأ نَّك قُلْتَ : ضربتُ زيداً ، وأَنْتَ لَو قُلْتَ : لاَ تَسْتَكْثِرْ لَمْ يَدْلُلْكَ النَّهيُ عَنْ المَنِّ لِلاستكثار ، وإنَّمَا كَأَنْ يكونُ فيه النَّهيُ عن الاستكثارِ مُرسَلاً ، ولَيسَ هَذَا هُو المَعْنَى ، وإِنَّما المَعْنَى لاَ تمنُنْ مَنَّ مُسْتَكْثِر ، أيْ امنُنْ مَنَّ مَنْ لا يُريدُ عِوضاً ولاَ يطلبُ الكثيرَ عَنِ القليلِ.
قِيلَ : قَدْ يَكونُ البدلُ على حذفِ الأَوَّل وكَذَلِكَ أَيْضاً قَدْ يَكُونُ عَلَى نيةِ إثباتِهِ. وذَلِكَ كَقَولِكَ : زَيدٌ مَرَرْتُ بِهِ أَبي محمّد فتبدلُ أَبا محمّد مِنَ الهاءِ ، ولَو قُلْتَ زيدٌ مَرَرتُ بِأَبي محمّد ، عَلَى حذفِ الهاءِ كَانَ قبيحاً ، فقولُهُ تَعَالَى : (وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ) مِنْ هَذَا القَبِيلِ لاَ مِنْ الأوَّلِ.
وأَنْكَر أَبو حاتِم الجزمَ عَلَى البَدَلِ ، وقَالَ : لاَِنَّ المَنَّ لَيْسَ بالاسْتِكثَارِ ، فَيُبْدَلَ مِنهُ ، وبَيْنَهُمَا مِنَ النسبةِ مَا ذَكَرتُه لَكَ.
وأَما الوجه الآخر : فَأَنْ يَكُونَ أَرادَ : (تَسْتَكثُرُ) فَأَسكنَ الرَّاءَ لِثِقَل الضَّمَّةِ مَعَ كثرةِ الحَرَكاتِ (٣) كَمَا حَكَاهُ أَبو زَيد مِنْ قَولِهم : (بَلَى وَرُسُلْنَا لَدَيْهِم
__________________
(١) المحتسب : ٢ / ٧٥ ـ ٧٦.
(٢) من قوله تعالى من سورة المدثّر : ٧٤ / ٦ : (وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ).
(٣) يذهب الأَخفش إلى جزم تستكثرْ عَلَى أَنَّها جواب النهي وهذا وجه ثالث.
انظر : معاني القرآن للأخفش : ١٧٧ / أ.