وليس هو لقمان به عاد الذي قال المثل المشهور : إحدى حظيات لقمان. والذي ذكره أبو المهوش الأسدي أو يزيد بن عمر يصعق في قوله :
تراه يطوف الآفاق حرصا |
|
ليأكل رأس لقمان بن عاد |
ويعرف ذلك بلقمان صاحب النسور ، وهو الذي له ابن اسمه لقيم (١) وبعضهم ذكر أن اسم أبيه باعوراء ، فسبق إلى أوهام بعض المؤلفين (٢) أنه المسمى في كتب اليهود بلعام بن باعوراء المذكور خبره في «الإصحاحين» (٢٢ و ٢٣) من «سفر العدد» ، ولعل ذلك وهم لأن بلعام ذلك رجل من أهل مدين كان نبيئا في زمن موسى عليهالسلام ، فلعل التوهم جاء من اتحاد اسم الأب ، أو من ظن أن بلعام يرادف معنى لقمان لأن بلعام من البلع ولقمان من اللّقم فيكون العرب سموه بما يرادف اسمه في العبرانية. وقد اختلف السلف في أن لقمان المذكور في القرآن كان حكيما أو نبيئا. فالجمهور قالوا : كان حكيما صالحا. واعتمد مالك في «الموطأ» على الثاني ، فذكره في «جامع الموطأ» مرتين بوصف لقمان الحكيم ، وذلك يقتضي أنه اشتهر بذلك بين علماء المدينة. وذكر ابن عطية : أن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لم يكن لقمان نبيئا ولكن كان عبدا كثير التفكر حسن اليقين أحبّ الله تعالى فأحبه فمنّ عليه بالحكمة» ويظهر من الآيات المذكورة في قصته هذه أنه لم يكن نبيئا لأنه لم يمتن عليه بوحي ولا بكلام الملائكة. والاقتصار على أنه أوتي الحكمة يومئ إلى أنه ألهم الحكمة ونطق بها ، ولأنه لما ذكر تعليمه لابنه قال تعالى (وَهُوَ يَعِظُهُ) [لقمان : ١٣] وذلك مؤذن بأنه تعليم لا تبليغ تشريع.
وذهب عكرمة والشعبي : أن لقمان نبيء ولفظ الحكمة يسمح بهذا القول لأن الحكمة أطلقت على النبوءة في كثير من القرآن كقوله في داود (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) [ص : ٢٠]. وقد فسرت الحكمة في قوله تعالى (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩] بما يشمل النبوءة. وأن الحكمة «معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه» وأعلاها النبوءة لأنها علم بالحقائق مأمون من أن يكون مخالفا لما هي عليه في نفس الأمر إذ النبوءة متلقاة من الله الذي لا يعزب عن عمله شيء. وسيأتي أن إيراد قوله تعالى
__________________
(١) وهو المعني في البيت الذي أنشده ابن بري :
لقيم بن لقمان من أخته |
|
فكان ابن أخت له وابنه |
(٢) هو لاروس صاحب دوائر المعارف الفرنسية