وهي أوضح دليل على صحة عطف الإنشاء على الخبر إذ لا يتأتّى فيها تأويل مما تأوله المانعون لعطف الإنشاء على الخبر وهم الجمهور والزمخشري والتفتازانيّ مما سنذكره إن شاء الله عند قوله تعالى : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) إلى قوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) في سورة الصف [١١ ـ ١٣] ، فالجملة المعطوف عليها إخبار عن النبيصلىاللهعليهوسلم بأنه أرسله متلبسا بتلك الصفات الخمس. وهذا أمر له بالعمل بصفة المبشر ، فلاختلاف مضمون الجملتين عطفت هذه على الأولى.
والفضل : العطاء الذي يزيده المعطي زيادة على العطية. فالفضل كناية عن العطية أيضا لأنه لا يكون فضلا إلا إذا كان زائدا على العطية. والمراد أن لهم ثواب أعمالهم الموعود بها وزيادة من عند ربهم ، قال تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦].
ووصف (كَبِيراً) مستعار للفائق في نوعه. قال ابن عطية : قال لي أبي رضياللهعنه (١) : هذه أرجى آية عندي في كتاب الله لأن الله قد أمر نبيئه أن يبشر المؤمنين بأن لهم عنده فضلا كبيرا. وقد بين الله تعالى الفضل الكبير ما هو في قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [الشورى : ٢٢] فالآية التي في هذه السورة خبر ، والآية التي في حم عسق تفسير لها ا ه.
(وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٤٨))
جاء في مقابلة قوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [الأحزاب : ٤٧] بقوله : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) تحذيرا له من موافقتهم فيما يسألون منه وتأييدا لفعله معهم حين استأذنه المنافقون في الرجوع عن الأحزاب فلم يأذن لهم ، فنهي عن الإصغاء إلى ما يرغبونه فيترك ما أحلّ له من التزوّج ، أو فيعطي الكافرين من الأحزاب ثمر النخل صلحا أو نحو ذلك ، والنهي مستعمل في معنى الدوام على الانتهاء.
وعلم من مقابلة أمر التبشير للمؤمنين بالنهي عن طاعة الكافرين والمنافقين أن الكافرين والمنافقين هم متعلّق الإنذار من قوله : (وَنَذِيراً) [الأحزاب : ٤٥] لأن وصف
__________________
(١) هو أبو بكر بن غالب بن عطية القيسي الغرناطي المالكي مفتي غرناطة ، توفي بها سنة ٥١٨.