(أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) [الأنفال : ٤] فإنا لا نجد التفصيل بين أحوال المسلمين إلا في مقام التحذير من الذنوب.
والمرجع في هذا المحمل إلى بيان الإجمال بالجمع بين أدلة الشريعة. وقد سكت جمهور المفسرين عن التصدّي لبيان مفاد هذا الوعد ولم يعرّج عليه فيما رأيت سوى صاحب «الكشاف» فجعل معنى قوله : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) : أن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات أعدّ الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ، وجعل واو العطف بمعنى المعية ، وجعل العطف على اعتبار المغايرة بين المتعاطفات في الأوصاف لا المغايرة بالذوات ، وهذا تكلّف وصنع باليد ، وتبعه البيضاوي وكثير. ويعكّر عليه أن جمع تلك الصفات لا يوجب المغفرة لأن الكبائر لا تسقطها عن صاحبها إلا التوبة ، إلا أن يضم إلى كلامه ضميمة وهي حمل (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ) و (الذَّاكِراتِ) على معنى المتصفين بالذكر اللساني والقلبي ، فيكون الذكر القلبي شاملا للتوبة كما في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) [آل عمران : ١٣٥] فيكون الذين جمعوا هذه الخصال العشر قد حصلت لهم التوبة ، غير أن هذا الاعتذار عن الزمخشري لا يتجاوز هذه الآية ، فإن في القرآن آيات كثيرة مثلها يضيق عنها نطاق هذا الاعتذار ، منها قوله تعالى : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) إلى قوله : (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا) الآية في سورة الفرقان [٦٣ ـ ٧٥].
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦))
معظم الروايات على أن هذه الآية نزلت في شأن خطبة زينب بنت جحش على زيد بن حارثة. قال ابن عباس : انطلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخطب على فتاه زيد بن حارثة زينب بنت جحش فاستنكفت وأبت وأبى أخوها عبد الله بن جحش فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) الآية ، فتابعته ورضيت لأن تزويج زينب بزيد بن حارثة كان قبل الهجرة فتكون هذه الآية نزلت بمكة ويكون موقعها في هذه السورة التي هي مدنية إلحاقا لها بها لمناسبة أن تكون مقدمة لذكر تزوج رسول الله صلىاللهعليهوسلم زينب الذي يظهر أنه وقع بعد وقعة الأحزاب وقد علم الله ذلك من قبل فقدر له الأحوال التي حصلت من بعد.
ووجود واو العطف في أول الجملة يقتضي أنها معطوفة على كلام نزل قبلها من