المسمى «مقاصد الشريعة الإسلامية».
وأعلم أن النبي صلىاللهعليهوسلم سلك في الأخذ بهذه التوسعات التي رفع الله بها قدره مسلك الكمّل من عباده وهو أكملهم فلم ينتفع لنفسه بشيء منها فكان عبدا شكورا كما قال في حديث استغفاره ربه في اليوم استغفارا كثيرا.
والتذييل بجملة (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) تذييل لما شرعه من الأحكام للنبيصلىاللهعليهوسلم لا للجملة المعترضة ، أي أن ما أردناه من نفي الحرج عنك هو من متعلقات صفتي الغفران والرحمة اللتين هما من تعلقات الإرادة والعلم فهما ناشئتان عن صفات الذات ، فلذلك جعل اتصاف الله بهما أمرا متمكّنا بما دلّ عليه فعل (كانَ) المشير إلى السابقية والرسوخ كما علمته في مواضع كثيرة.
(تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١))
(تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ).
استئناف بياني ناشئ عن قوله : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) إلى قوله : (لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) [الأحزاب : ٥٠] فإنه يثير في النفس تطلبا لبيان مدى هذا التحليل. والجملة خبر مستعمل في إنشاء تحليل الإرجاء والإيواء لمن يشاء النبي صلىاللهعليهوسلم.
والإرجاء حقيقته : التأخير إلى وقت مستقبل. يقال : أرجأت الأمر وأرجيته مهموزا ومخففا ، إذا أخرته.
وفعله ينصرف إلى الأحوال لا الذوات ، فإذا عدي فعله إلى اسم ذات تعين انصرافه إلى وصف من الأوصاف المناسبة والتي تراد منها ، فإذا قلت : أرجأت غريمي ، كان المراد : أنك أخرت قضاء دينه إلى وقت يأتي.
والإيواء : حقيقته جعل الشيء آويا ، أي راجعا إلى مكانه. يقال : آوى ، إذا رجع إلى حيث فارق ، وهو هنا مجاز في مطلق الاستقرار سواء كان بعد إبعاد أم بدونه ، وسواء كان بعد سبق استقرار بالمكان أم لم يكن.
ومقابلة الإرجاء بالإيواء تقتضي أن الإرجاء مراد منه ضد الإيواء أو أن الإيواء ضد