في سورة النساء [٣٦].
ومعنى (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) أن الله لا يرضى عن أحد من المختالين الفخورين ، ولا يخطر ببال أهل الاستعمال أن يكون مفاده أن الله لا يحب مجموع المختالين الفخورين إذا اجتمعوا بناء على ما ذكره عبد القاهر من أن (كُلَ) إذا وقع في حيز النفي مؤخرا عن أداته ينصبّ النفي على الشمول ، فإن ذلك إنما هو في (كُلَ) التي يراد منها تأكيد الإحاطة لا في (كُلَ) التي يراد منها الأفراد ، والتعويل في ذلك على القرائن. على أنّا نرى ما ذكره الشيخ أمر أغلبي غير مطرد في استعمال أهل اللسان ولذلك نرى صحة الرفع والنصب في لفظ (كل) في قول أبي النجم العجلي :
قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي |
|
عليّ ذنبا كلّه لم أصنع |
وقد بينت ذلك في تعليقاتي على دلائل الإعجاز.
وموقع جملة (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) يجوز فيه ما مضى في جملة (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] وجملة (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [لقمان : ١٦] ، وجملة (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان : ١٧].
(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩))
بعد أن بيّن له آداب حسن المعاملة مع الناس قفّاها بحسن الآداب في حالته الخاصة ، وتلك حالتا المشي والتكلم ، وهما أظهر ما يلوح على المرء من آدابه.
والقصد : الوسط العدل بين طرفين ، فالقصد في المشي هو أن يكون بين طرف التبختر وطرف الدبيب ويقال : قصد في مشيه. فمعنى (اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) : ارتكب القصد.
والغضّ : نقص قوة استعمال الشيء. يقال : غضّ بصره ، إذا خفّض نظره فلم يحدّق. وتقدم قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) في سورة النور [٣٠]. فغض الصوت : جعله دون الجهر. وجيء ب (مِنْ) الدالة على التبعيض لإفادة أنه يغض بعضه ، أي بعض جهره ، أي ينقص من جهورته ولكنه لا يبلغ به إلى التخافت والسرار.
وجملة (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) تعليل علل به الأمر بالغض من صوته باعتبارها متضمنة تشبيها بليغا ، أي لأن صوت الحمير أنكر الأصوات. ورفع الصوت في