على وصفه بالعظيم.
وتوكيد جملة الجزاء بحرف (إِنْ) الذي ليس هو لإزالة التردد إظهار للاهتمام بهذا الأجر. وقد جاء في كتب السنة : أنه لما نزلت هذه الآية ابتدأ النبي صلىاللهعليهوسلم بعائشة فقال لها : «إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك ، ثم تلا هذه الآية ، فقالت عائشة : أفي هذا أستأمر أبويّ؟ فإنّي أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، وقال لسائر أزواجه مثل ذلك ، فقلن مثل ما قالت عائشة».
ولا طائل تحت الاشتغال بأن هذا التخيير هل كان واجبا على النبي صلىاللهعليهوسلم أو مندوبا ، فإنه أمر قد انقضى ولم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالذي يخالف أمر الله تعالى بالوجوب أو الندب.
(يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠))
تولى الله خطابهن بعد أن أمر رسوله بتخييرهنّ فخيرهنّ فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، فخاطبهن ربّهنّ خطابا لأنهن أصبحن على عهد مع الله تعالى أن يؤتيهنّ أجرا عظيما. وقد سمّاه عمر عهدا فإنه كان كثيرا ما يقرأ في صلاة الصبح سورة الأحزاب فإذا بلغ هذه الآية رفع بها صوته فقيل له في ذلك ، فقال : أذكّرهنّ العهد ، ولما كان الأجر الموعود منوطا بالإحسان أريد تحذيرهن من المعاصي بلوغا بهن إلى مرتبة الملكية مبالغة في التحذير إذ جعل عذاب المعصية على فرض أن تأتيها إحداهن عذابا مضاعفا. ونداؤهنّ للاهتمام بما سيلقى إليهن. وناداهنّ بوصف نساء النبي ليعلمن أن ما سيلقى إليهن خبر يناسب علوّ أقدارهنّ. والنساء هنا مراد به الحلائل ، وتقدم في قوله تعالى : (وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ) في سورة آل عمران [٦١]. وقرأ الجمهور (يَأْتِ) بتحتية في أوله مراعاة لمدلول (مَنْ) الشرطية لأن مدلولها شيء فأصله عدم التأنيث. وقرأه يعقوب من تأت بفوقية في أوله مراعاة لما صدق (مَنْ) أي : إحدى النساء. وقرأ الجمهور (يُضاعَفْ) بتحتية في أوله للغائب وفتح العين مبنيا للنائب ورفع (الْعَذابُ) على أنه نائب فاعل. وقرأه ابن كثير وابن عامر نضعف بنون العظمة وبتشديد العين مكسورة ونصب (الْعَذابُ) على المفعولية ؛ فيكون إظهار اسم الجلالة في قوله بعده : (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) إظهارا في مقام الإضمار. وقرأه أبو عمرو ويعقوب (يُضاعَفْ) بتحتية للغائب