نوعه وأيضا هو شديد في كونه سريعا لا إمهال لهم فيه.
و (تَقْتِيلاً) مصدر مؤكد لعامله ، أي قتّلوا قتلا شديدا شاملا. فالتأكيد هنا تأكيد لتسلط القتل على جميع الأفراد المدلولة لضمير (قُتِّلُوا) ، لرفع احتمال المجاز في عموم القتل ، فالمعنى : قتلوا قتلا شديدا لا يفلت منه أحد.
وبهذا الوعيد انكفّ المنافقون عن أذاة المسلمين وعن الإرجاف فلم يقع التقتيل فيهم إذ لم يحفظ أن النبي صلىاللهعليهوسلم قتل منهم أحدا ولا أنهم خرج منهم أحد.
وهذه الآية ترشد إلى تقديم إصلاح الفاسد من الأمة على قطعة منها لأن إصلاح الفاسد يكسب الأمة فردا صالحا أو طائفة صالحة تنتفع الأمة منها كما قال النبيصلىاللهعليهوسلم : «لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده». ولهذا شرعت استتابة المرتدّ قبل قتله ثلاثة أيام تعرض عليه فيها التوبة ، وشرعت دعوة الكفّار الذين يغزوهم المسلمون إلى دين الإسلام قبل الشروع في غزوهم فإن أسلموا وإلّا عرض عليهم الدخول في ذمة المسلمين لأن في دخولهم في الذمة انتفاعا للمسلمين بجزيتهم والاعتضاد بهم.
وأما قتل القاتل عمدا فشرع فيه مجاراة لقطع الأحقاد من قلوب أولياء القتيل لئلا يقتل بعض الأمة بعضا ، إذ لا دواء لتلك العلة إلا القصاص. ولذلك رغب الشرع في العفو وفي قبوله. ومن أجل ذلك قال مالك في آية جزاء الذين يحاربون الله ورسله : إن (أو) فيها للتنويع لا للتخيير فقال : يكون الجزاء بقدر جرم المحارب وكثرة مقامه في فساده. وكان النفي من الأرض آخر أصناف الجزاء لأن فيه استبقاءه رجاء توبته وصلاح حاله.
(سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢))
انتصب (سُنَّةَ اللهِ) على أنه مفعول مطلق نائب عن فعله. والتقدير : سن الله إغراءك بهم سنته في أعداء الأنبياء السالفين وفي الكفار المشركين الذين قتّلوا وأخذوا في غزوة بدر وغيرها.
وحرف (فِي) للظرفية المجازية ، شبهت السّنة التي عوملوا بها بشيء في وسطهم كناية عن تغلغله فيهم وتناوله جميعهم ولو جاء الكلام على غير المجاز لقيل : سنة الله مع الذين خلوا.