وجملة (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) واقعة موقع التعليل لجملة (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) ، أي سبب تلك العاقبة المنظورة هو إشراك الأكثرين منهم ، أي أن أكثر تلك الأمم التي شوهدت عاقبتها الفظيعة كان من أهل الشرك فتعلمون أن سبب حلول تلك العاقبة بهم هو شركهم ، وبعض تلك الأمم لم يكونوا مشركين وإنما أصابهم لتكذيبهم رسلهم مثل أهل مدين قال تعالى : (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) [القمر : ٤٣].
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣))
تفرع على الإنذار والتحذير من عواقب الشرك تثبيت الرسول صلىاللهعليهوسلم على شريعته ، ووعد بأن يأتيه النصر كقوله (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر : ٩٩] ، مع التعريض بالإرشاد إلى الخلاص من الشرك باتباع الدّين القيّم ، أي الحق. وهذا تأكيد للأمر بإقامة الوجه للدين في قوله (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) [الروم : ٣٠] ، فإن ذلك لما فرع على قوله (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [الروم : ٩] ، وما اتصل من تسلسل الحجج والمواعظ فرع أيضا نظيره هذا على قوله (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) [الروم : ٤٢] وقد تقدم الكلام على نظير قوله (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) وعلى معنى إقامة الوجه عند قوله (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) [الروم : ٣٠].
و (الْقَيِّمِ) بوزن فيعل ، وهي زنة تدل على قوة ما تصاغ منه ، أي : الشديد القيام ، والقيام هنا مجاز في الإصابة لأن الصواب يشبّه بالقيام ، وضده يشبه بالعوج ، وقد جمعهما قوله تعالى (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً* قَيِّماً) [الكهف : ١ ، ٢] فوصف الإسلام في الآية السابقة بالحنيف والفطرة ووصف هنا بالقيّم. وبين أقم و (الْقَيِّمِ) محسن الجناس.
والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم بهذا الأمر إعراض عن صريح خطاب المشركين. والمقصود التعريض بأنهم حرموا أنفسهم من اتباع هذا الدين العظيم الذي فيه النجاة. يؤخذ هذا التعريض من أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالدوام على الإسلام ومن قوله عقب ذلك (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) الآية.
والمردّ : مصدر ميمي من الردّ وهو الدفع ، و (لَهُ) يتعلق به ، و (مِنَ اللهِ) متعلق ب (يَأْتِيَ) و (مِنْ) ابتدائية. والمراد (باليوم) يوم عذاب في الدنيا وأنه إذا جاء لا يردّه عن المجازين به رادّ لأنه آت من الله. والظاهر أن المراد به يوم بدر.