وأما إطلاق وصف خال المؤمنين على الخليفة معاوية لأنه أخو أم حبيبة أم المؤمنين فذلك من قبيل التعظيم كما يقال : بنو فلان أخوال فلان ، إذا كانوا قبيلة أمه.
والمراد بأزواجه اللاتي تزوجهنّ بنكاح فلا يدخل في ذلك ملك اليمين ، وقد قال الصحابة يوم قريظة حين تزوج النبي صلىاللهعليهوسلم صفية بنت حييّ : أهي إحدى ما ملكت يمينه أم هي إحدى أمهات المؤمنين؟ فقالوا : ننظر ، فإذا حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين وإذا لم يحجبها فهي ما ملكت يمينه ، فلما بنى بها ضرب عليها الحجاب ، فعلموا أنها إحدى أمهات المؤمنين ، ولذلك لم تكن مارية القبطية إحدى أمهات المؤمنين.
ويشترط في اعتبار هذه الأمومة أن يكون النبي صلىاللهعليهوسلم بنى بالمرأة ، فأما التي طلقها قبل البناء مثل الجونية وهي أسماء بنت النعمان الكندية فلا تعتبر من أمهات المؤمنين. وذكر ابن العربي أن امرأة كان عقد عليها النبي صلىاللهعليهوسلم تزوجت في خلافة عمر فهمّ عمر برجمها. فقالت : لم وما ضرب عليّ النبي حجابا ولا دعيت أمّ المؤمنين؟ فكفّ عنها. وهذه المرأة هي ابنة الجون الكندية تزوجها الأشعث بن قيس. وهذا هو الأصح وهو مقتضى مذهب مالك وصححه إمام الحرمين والرافعي من الشافعية. وعن مقاتل : يحرم تزوج كل امرأة عقد عليها النبي صلىاللهعليهوسلم ولو لم يبن بها. وهو قول الشافعي وصححه في «الروضة» ، واللاء طلّقهن الرسول عليه الصلاة والسلام بعد البناء بهن فاختلف فيهن على قولين ، قيل : تثبت حرمة التزوج بهن حفظا لحرمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : لا يثبت لهن ذلك ، والأول أرجح. وقد أكد حكم أمومة أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم للمؤمنين بقوله تعالى : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) [الأحزاب : ٥٣] ، وبتحريم تزوج إحداهن على المؤمنين بقوله [تعالى] : (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) [الأحزاب : ٥٣]. وسيجيء بيان ذلك عند ذكر هاتين الآيتين في أواخر هذه السورة.
وروي أن ابن مسعود قرأ بعدها : وهو أب لهم. وروي مثله عن أبيّ بن كعب وعن ابن عباس. وروي عن عكرمة : كان في الحرف الأول «وهو أبوهم».
ومحملها أنها تفسير وإيضاح وإلا فقد أفاد قوله تعالى : النبي (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أكثر من مفاد هذه القراء.
(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً).